موسيقا الأمهات علامات سلّم الطاقات
غالية خوجة
لكل أمّ بصمة موسيقية خاصة تنعكس من نبضاتها لتحضن كلّ جنين من أجنّتها، فنشعر بأننا عندما كنّا في الرحم، وكأننا نسبح مع موسيقا الكينونة منذ الأزل. ولنحاول أن نتذكر كيف تنعكس أصوات الاهتزازات مع التردّدات مع موسيقا الأشعة واهتزازات الأرض، وكيف كنا سعداء مع هذا التناغم. ولكن، بعد الولادة، تختلف الإشارات وإيقاعاتها، ورغم ذلك، تظلّ نبضات أمهاتنا هي المعزوفة الأساسية المترسبة في أعماقنا، فمهما ابتعدنا تشدّنا مثل الجاذبية لنستعيد توازننا، وهذا سرّ من أسرار الله.
والسؤال هو: كيف نعيد هذا التوازن في ظل هذه الظروف الحياتية الضاغطة؟.
ربما موسيقا القلب قريبة من موسيقا الماء، لذلك، ما إن يهتز هذا الفضاء الإيقاعي بأية شائبة سلبية حتى نُصاب بحالة من التوتر وغيره دون سبب ما أحياناً، ولعدة أسباب أحياناً أخرى، وتكويننا السائل تؤثر فيه العوامل الكثيرة الطبيعية والبشرية، ودمنا يصبح مثل الموج فيتأثر بالقمر مثلاً بين المدّ والجزر، كما يتأثر بحرارة الشمس والأرض فنتعرق ونتبخّر وكأننا نفتقد جزءاً من تكويننا المائي مع تبدلات الطقس والحرارة، ودرجات الطول والعرض، والارتفاع أثناء التسلق أو التحليق.
ولا بد من علاج لهذه الحالة روحانياً تبعاً لما يناسب كلّ شخص سواء بعلاج الماء وضوءاً وسباحة مثلاً، لأن موسيقا الماء تساهم في تحويل معادلة الطاقة واهتزازاتها إيجابياً ربما لتذكرنا بنبضات أمهاتنا حين كنّا أجنّة، ولتعيدنا إلى تكويننا الطبيعي المتناغم مع الماء الذي يشكّل نحو 70% من كتلة أجسادنا والأرض، وكذلك من خلال الكلمات الطيبات نستعيد التوازن والنشاط، لأن للكلمة أثرها العلاجي، وهذا يحيلنا إلى الأناشيد والابتهالات والأغاني، وبالتالي، تحضر الموسيقا لتحوّل الاهتزازات اللا متناغمة إلى اهتزازات متناغمة نفسياً وفيزيقياً وترابطياً مع صوت الأرض وموسيقاها واهتزازها المائي والهوائي وعناصر التكوين الأخرى.
ضمن هذه التداخلات من العوالم والعوامل المختلفة، تتشاكل نبضاتنا في دوائر لا مرئية، لها إيقاعاتها المتسارعة، المتباطئة، العاصفة، الهادئة، فنشعر بأن البحار والجبال والنجوم والثلوج والأمطار والشموس والكواكب والغيوم وأعماقنا جميعها تتفاعل معاً مثل أغنية حائرة تتذبذب تبعاً لمزاجنا المتبدّل وحالتنا النفسية المتغيّرة وتأثّراتنا وآثارنا وسرعة أرواحنا في الصعود إلى السماء والأفق الكوني لتختزن ملامحها الجديدة وتنثرها مثل موسيقا الموج العميق وألوانه الزرقاء، البيضاء، البنفسجية، الزهرية، الصفراء، الخضراء، فتتداخل الأمواج الكونية مع الأمواج الكهرومغناطيسية اللامرئية المتلوّنة بألوان الطاقة المناسبة لكلّ نبضة ومزاج، والعاكسة لمزاج كل نبضة، فتارة تعزف موسيقاها بأرجوانية، وتارة تصدر من طاقتنا موسيقا زرقاء، وتارة نتحرك داخل الألوان مجتمعة، وكل ذلك يحدث في أجزاء من الثانية، ونحن ننتقل في تحولاتنا على سلّم الطاقة وعلاماته لنقبض على الإيقاع الهارموني الأكثر توازناً وتناغمية في الضوء والذات والآخرين والطبيعة والمكان والزمان والعناصر والكلمة في حالاتها الإنسانية والإبداعية، سواء كانت في القصيدة، أو القصة، أو اللوحة، أو الأغنية، أو الحياة، أو أيّ نص آخر، قد يكون زقزقة عصفور أو رائحة وردة أو أشعة من النجوم أو القمر أو الشمس أو الروح، وكل ذلك يتكوّن كعلامات موسيقية للطاقة تنبض في أعماقنا وتحلق منها ومعها وتعود إليها متجددة لنتآلف معاً مع هذا العالم المسترسل مع موسيقاهُ وموسيقانا محتفظاً بألحاننا النابضة التي نورّثها للأجيال أيضاً من خلال المحبة التي لا تعرف أية مصلحة بالتأكيد.
ترى، كيف كانت نبضات أمهاتنا اللواتي أورثننا هذه الموسيقا المتسعة لكل هذه المحبة؟ وكيف ستكون نبضات أجيال المستقبل لتتسع لكلّ هذه المحبة وتضيف إليها موسيقاها الأخرى؟