مجلة البعث الأسبوعية

“شنغهاي” تبشر  بنظام عالمي أكثر عدلاً

البعث الأسبوعية-هيفاء علي

مثّلت القمة الثالثة والعشرون لرؤساء دول منظمة شنغهاي للتعاون، التي عُقدت مؤخراً في نيودلهي، التاريخ المتحرك لـدول بريكس (روسيا والهند والصين)، وأربعة دول في آسيا الوسطى  هي كازاخستان ، وقيرغيزستان ، وأوزبكستان، وطاجيكستان، بالإضافة إلى الترحيب رسمياً بجمهورية إيران الإسلامية كعضو دائم، بينما سيأتي دور بيلاروسيا العام المقبل، وفق ما أكد النائب الأول لوزير الخارجية الهندي فيناي كفاترا.

وهكذا بعد سنوات من “الضغط الأقصى” الذي مارسته الولايات المتحدة، يمكن لطهران أخيراً التخلص من جنون العقوبات، وتعزيز دورها القيادي في عملية تكامل أوراسيا الحالية.

وبحسب مراقبين، يمكن القول إن نجم العرض في نيودلهي كان الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، الذي صاغ الشعار النهائي للتعددية القطبية، فهو نسي “المليار الذهبي” الغربي ، واعتنق الآن “العالم العالمي” ، مع إيلاء اهتمام خاص لجنوب الكرة الأرضية. بالإضافة إلى ذلك، اقترح لوكاشينكو التكامل بين منظمة شنغهاي للتعاون ودول البريكس، والتي ستتولى في قمتها المقبلة في جنوب إفريقيا قيادة مجموعة “بريكس+”، وغني عن القول فإن هذا التكامل ينطبق أيضاً على الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي.

الخطوة التالية هي العمل من خلال التنسيق لبنوك التنمية المتعددة، ومن ثم عملية إصدار السندات المرتبطة بعملة جديدة للتبادل، اذ ستكون السندات الجديدة ملاذاً آمناً حقيقياً مقابل الدولار الأمريكي وسندات الخزانة الأمريكية، وستتضمن إزالة الدولار بشكل سريع.لذلك  يجب استخدام رأس المال المستخدم في شراء هذه السندات لتمويل التجارة والتنمية المستدامة، ما سيشكل “فوزاً للجميع”، على الطريقة الصينية.

تقارب جيو-اقتصادي

يوضح بيان منظمة شنغهاي للتعاون أن الهيئة المتعددة الأطراف الموسعة ليست موجهة ضد الدول الأخرى والمنظمات الدولية، بل على العكس، فهي منفتحة على التعاون الواسع معهم، وفقاً لأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وميثاق منظمة شنغهاي للتعاون والقانون الدولي، على أساس مراعاة المصالح المشتركة. وجوهر الأمر، هو الرغبة في إقامة نظام عالمي منصف متعدد الأقطاب، على عكس النظام الدولي القائم على القواعد الذي تفرضه الدولة المهيمنة.

النقاط الرئيسية الثلاث هي الأمن المتبادل، والتجارة في العملات المحلية، وفي نهاية المطاف، إزالة الدولار. ومن المفيد للغاية التأكيد على تقارب الأهداف التي عبر عنها معظم القادة في قمة نيودلهي، حيث أشاد رئيس الوزراء الهندي مودي في خطابه بدور إيران الرئيسي في تطوير ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، كما دعم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بقوة تجارة منظمة شنغهاي للتعاون بالعملات الوطنية لكسر هيمنة الدولار الأمريكي بشكل حاسم.  من جهته، أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ على فكرة أن الصين تقف بحزم ضد جميع أشكال الثورات الملونة، ومكافحة العقوبات الاقتصادية أحادية الجانب. بينما يتوقع بوتين زيادة التجارة داخل منظمة شنغهاي للتعاون باستخدام العملات الوطنية – 80 ٪ من تجارة روسيا اليوم بالروبل واليوان -بالإضافة إلى زخم جديد للتعاون في مجالات البنوك والرقمنة والزراعة.

من جهته، أصر رئيس قيرغيزستان صدير جاباروف على التسويات المتبادلة بالعملات الوطنية، بالإضافة إلى إجراء حاسم كـ إنشاء بنك تنمية، وصندوق تنمية منظمة شنغهاي للتعاون، مشابه تماماً لبنك التنمية الجديد في مجموعة البريكس.

كما دعم رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف، الذي سيتولى منصب رئيس منظمة شنغهاي للتعاون في عام 2024، صندوقاً استثمارياً مشتركاً، بالإضافة إلى إنشاء شبكة من شركاء الموانئ الاستراتيجيين الرئيسيين المرتبطين بمبادرة الحزام والطريق الصينية، بالإضافة إلى طريق النقل الدولي عبر قزوين مقره في أستانا، وتربط بين جنوب شرق آسيا والصين وكازاخستان، وبحر قزوين وأذربيجان وجورجيا وأوروبا.

بالطبع، اتفق جميع أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون على أنه لا يمكن تكامل أوراسيا دون تحقيق الاستقرار في أفغانستان، حيث سيتم ربط كابول جغرافياً واقتصادياً بكل من مبادرة الحزام والطريق، والمعهد الدولي للعلوم والتكنولوجيا.

تجدر الاشارة إلى أن الصبن أطلقت أول قطارات شحن دولية متعددة الوسائط بين الصين وقيرغيزستان وأوزبكستان في نفس اليوم الذي انعقدت فيه قمة منظمة شنغهاي للتعاون في نيودلهي.  وهذا مثال كلاسيكي على الاتصال الأمثل للبريكس، باستخدام نظام متعدد الوسائط “طريق السكك الحديدية”. بينما سيستخدم ممر النقل البحري بين الشمال والجنوب نفس النظام للتجارة بين روسيا وبحر قزوين وإيران والهند عن طريق البحر.

تؤكد مصادر دبلوماسية أن الاتفاق الضمني بين أعضاء البريكس الذين يعدون إرشادات “بريكس +” لمناقشتها في قمة جنوب إفريقيا الشهر المقبل، هو تسريع انهيار الدولار الإلزامي، والسؤال هو كيف يمكن تسريعها بشكل غير محسوس؟. حقيقة، تتمثل استراتيجية بوتين المميزة في السماح دائماً للغرب الجماعي بالتورط في جميع أنواع الأخطاء الاستراتيجية دون تدخل روسي مباشر، لذا فإن ما سيحدث بعد ذلك في ساحة معركة دونباس هو الإذلال الأكبر لحلف الناتو، والذي سيكون عاملاً حاسماً في جبهة نزع الدولرة.

الصينيون، من جانبهم، قلقون بشأن تأثير انهيار الدولار على قاعدة التصنيع في الصين، لذلك تقترح خارطة الطريق القادمة عملة تسوية تجارية جديدة تم تصميمها أولاً في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي تحت إشراف رئيس الاقتصاد الكلي في اللجنة الاقتصادية الأوروبية الآسيوية، سيرغي غلازييف، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى انتشار أوسع لبريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ولكن يجب على الاتحاد الاقتصادي الأوراسي أولاً إشراك الصين، وبالتالي فإن الكأس المقدسة هي عملة تداول جديدة فوق وطنية لدول البريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون، والاتحاد الاقتصادي الأوروبي.

يبدو أن اندماج البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون أمر لا مفر منه عملياً، أما بالنسبة للمحركين الرئيسيين للمنظمتين -الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والصين -سيمثل هذا الاندماج المؤسسة المتعددة الأطراف النهائية القائمة على تجارة حقيقية وحرة وعادلة، قادرة على التغلب على الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وتمتد إلى ما هو أبعد من أوراسيا، أي إلى عالم الكرة الأرضية. وفيما يتعلق بالتنمية السلمية، أظهر غرب آسيا الطريق، فبمجرد أن انحازت السعودية إلى الصين وروسيا، وهي الآن مرشحة لعضوية البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، فقد تم إطلاق لعبة جديدة.

عندما يتم اعتماد العملة الجديدة لدول البريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون، والاتحاد الأوروبي للشرق الأوسط الذي ربما يتم في أوائل عام 2030، سيتم استبدالها بالذهب الفعلي من قبل البنوك، وسيركز اتحاد بريكس على الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط وأفريقيا لبناء وتوسيع الاقتصاد المادي غير المضارب القائم على تطوير البنية التحتية والقدرة الصناعية ومشاركة التكنولوجيا، أي نظام عالمي آخر عادل أكثر من أي وقت مضى.