قمّة “ناتو” أوكرانيا.. لسنا مستعدّين للمواجهة المباشرة مع روسيا
البعث الأسبوعية – طلال ياسر الزعبي
قالها قادة الدول الغربية الرئيسة في حلف شمال الأطلسي “ناتو”: “سنقاتل روسيا حتى آخر مواطن أوكراني، ولكننا لن ندخل في مواجهة مباشرة مع روسيا”.
فالدول الغربية باختصار تعلن صراحة أنها تستخدم النظام الأوكراني رأس حربة في صراعها المعلن مع روسيا، وليست في وارد الدخول في حرب مباشرة معها، بل هي تنتظر أن يحل الضعف بشكل أو بآخر في جسم الدولة الروسية حتى تدخل في اللحظة الأخيرة وتعلن الانتصار على روسيا، تماماً كما فعلت في الحرب العالمية الثانية عندما استعانت بالاتحاد السوفييتي على ألمانيا النازية التي خرجت عن السيطرة وزوّدته بالسلاح والعتاد، ولكنها ماطلت في فتح الجبهة الغربية لتخفيف الضغط عن الجبهة الشرقية في محاولة لإضعاف البلدين معاً وتدميرهما في الحرب المباشرة بينهما، وعندما دخل الجيش الأحمر إلى برلين منتصراً قام الحلفاء بنسبة النصر إليهم متجاهلين تضحياته وتضحيات الشعب السوفييتي الذي فقد ملايين الضحايا في سبيل الانتصار على النازية.
والآن، وبالطريقة ذاتها التي تم فيها دعم الزعيم النازي أدولف هتلر في مواجهة الاتحاد السوفييتي، حيث كان الدعم يذهب بداية إلى الجيش النازي، يتم دعم النظام النازي في أوكرانيا بقيادة فلاديمير زيلنسكي لمحاربة روسيا بالوكالة، ويبحث الغرب في كل الوسائل الممكنة لتأمين النصر على روسيا حتى لو اضطرّ إلى مخالفة جميع القوانين الدولية، وآخرها طبعاً موافقة الرئيس الأمريكي جو بايدن على تزويد نظام كييف بالقنابل العنقودية المحرّمة دولياً، مستغلّاً عدم توقيع كل من الولايات المتحدة وأوكرانيا على الاتفاقية التي تنصّ على تحريم استخدام هذا النوع من السلاح في الحروب لأنه يشكّل تهديداً مباشراً للسكان المدنيين.
ومن هنا لا يجد الساسة الغربيون بأساً في الاعتراف بين الفينة والأخرى أنهم يتجنّبون المواجهة المباشرة مع روسيا، ولكنهم في الوقت ذاته مستعدّون لتزويد نظام كييف بشتّى أنواع الأسلحة التي تؤمّن أكبر ضرر ممكن لروسيا، دون الوصول إلى الصدام المباشر، حيث حذر الأمين العام السابق للناتو خافيير سولانا، من أي مواجهة مباشرة بين روسيا والناتو، تفادياً لاندلاع حرب نووية، مشيراً إلى أن الحلف الآن يساعد أوكرانيا لكنه “ليس في حالة حرب مع روسيا”.
ورغم أن مثل هذا القرار يهدّد بنتائج كارثية على وحدة الناتو الذي انقسمت دوله بين مؤيّد ومعارض له، غير أن الفشل العسكري المتراكم في الميدان الذي انعكس فشلاً عاماً للخطط الأطلسية فيما يتعلّق بهزيمة روسيا، جعل واشنطن الخاسر الحقيقي من هزيمة أوكرانيا في الحرب، تصرّ على المغامرة بكل شيء في سبيل عدم الوصول إلى إعلان روسي عن الانتصار نهائياً على الغرب في أوكرانيا، وبالتالي عمدت إلى هذه الخطوة لإطالة أمد الصراع، رغم معارضة أشد حلفائها في الناتو وهي بريطانيا التي أكّد رئيس أركانها السابق ريتشارد داناتن أن قرار الرئيس الأمريكي تزويد أوكرانيا بذخائر عنقودية يهدّد بانقسام الناتو.
وكذلك انتقدت وزيرة الدفاع الإسبانية مارغريتا روبلز هذا القرار، وحثت سويسرا دول العالم على عدم استخدام الذخائر العنقودية، بعد إعلان الولايات المتحدة عن الشروع في توريد هذا السلاح المحرّم دولياً إلى أوكرانيا، مؤكّدة أن ذلك يشكّل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي الإنساني.
ورغم أن الغرب الجماعي يعلن دائماً أنه في غير وارد الموافقة على انضمام أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي الآن، ويضع جميع الذرائع والمبرّرات لمنع الانضمام الأوكراني إلى الحلف، وخاصة المادة الخامسة من النظام الأساسي للحلف التي تضعه في مواجهة مباشرة مع روسيا، غير أن النظام الأوكراني لا يزال مصرّاً على عدم إدراك هذه النقطة.
فقد كشفت الدوريات والصحف الغربية عن أن السلطات الأوكرانية لا تشعر بالتفاؤل عشية قمّة الناتو، حيث لا تتوقع أن يقرّبها الاجتماع من الانضمام إلى الحلف، وذلك حسب صحيفة “غارديان” البريطانية التي نقلت أن أوكرانيا لا يمكنها الاعتماد إلا على الضمانات الأمنية في شكل وعد من الدول الأعضاء الرئيسية في الناتو، مثل المملكة المتحدة وألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا، بمواصلة تقديم المساعدة العسكرية لحكومة كييف على المدى الطويل، في وقت تصرّ فيه السلطات الأوكرانية على أن دخول البلاد في حلف الناتو هو “الضمان الفعّال الوحيد للأمن”.
صحيفة “فاينانشيال تايمز”، ذكرت نقلاً عن مصادر، أن الولايات المتحدة وألمانيا لا تعتبران أنه من الضروري ضمان عضوية أوكرانيا في الناتو دون إصلاحات عميقة. ودعت واشنطن وبرلين، حسب الصحيفة، إلى أن يتضمّن بيان رؤساء الدول الأعضاء في الناتو عقب قمة فيلنيوس، صياغة مبسطة فيما يتعلق بآفاق انضمام أوكرانيا إلى الحلف دون معايير واضحة.
وقد تبنى الناتو بياناً سياسياً في قمة بوخارست نيسان 2008 بأن تصبح أوكرانيا في النهاية عضواً في الناتو، لكنه لم يقدّم خطة عمل العضوية، التي تعدّ الخطوة الأولى في العملية القانونية للبلاد للانضمام إلى المنظمة، وذلك على الرغم من أن
البرلمان الأوكراني وافق في شباط 2019، على تعديلات الدستور التي تعزّز تطلّعات البلاد للانضمام إلى الناتو.
وفي جميع الأحوال لا تعني مشاركة الرئيس الأوكراني، في قمّة حلف الناتو المقبلة، إن تمّت فعلاً، أن هناك قراراً جديداً سيُتخذ حول عضوية أوكرانيا في الحلف، حيث ذكرت قناة “سكاي نيوز” في وقت سابق، نقلاً عن أمين عام حلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، أنه لا يمكن تأكيد مشاركة زيلينسكي في قمّة الحلف هذه.
ولكن بايدن نعى نهائياً فكرة انضمام أوكرانيا إلى الحلف بقوله: إن واشنطن لا ترى وحدة في الناتو فيما يتعلق بدعوة أوكرانيا للانضمام إلى الحلف في الوقت الراهن، بينما قال مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك ساليفان: إن أوكرانيا لن تصبح عضواً في الناتو خلال قمّة فيلنيوس المقبلة.
وعلى الأرجح سيتم تخدير زيلنسكي بمجموعة من الإجراءات والقرارات التي تداعب رغبته في الانضمام إلى الحلف، حيث كشفت صحيفة “بوليتيكو” عن مفاوضات مكثفة تجريها مجموعة صغيرة من حلفاء كييف الغربيين بشكل عاجل، وخاصة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، بشأن الاتفاق على ضمانات أمنية لأوكرانيا قبل انعقاد القمة.
فهم مستعدّون حسب مصدر في حلف شمال الأطلسي، لم يذكر اسمه، لتجهيز القوات المسلحة الأوكرانية وتمويلها وتقديم الاستشارة لها وتدريبها لفترة طويلة جداً، دون الانخراط في حرب مباشرة مع روسيا، وهذا ما صرّح به الرئيس الليتواني، غيتاناس نوسيدا في حديثه عن هذه الضمانات.
وفي وقت سابق، أكّد رئيس الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، كيريل بودانوف، أن آمال الأوساط الأوكرانية المنتظرة من قمّة حلف الناتو المرتقبة في فيلنيوس لن تكون مرضية، وهو ما يؤكّد أن النظام في كييف يدرك جيّداً أن حدود تدخل الناتو في الصراع تقف عند التحريض على استمرار الحرب وتأجيجها دون الدخول المباشر فيها، لأن الحلف باختصار عاجز عن مواجهة روسيا، وهذا ما تأكد له بالفعل خلال الحرب الحالية التي اقتنع من خلالها أن أسلحته عاجزة عن مجاراة الأسلحة الروسية، وأنه لا سبيل مطلقاً لهزيمة روسيا في الميدان.
وفي المحصلة، يختصر إعلان أمين عام حلف الناتو أن الحلف بدأ في إنشاء مجلس أوكرانيا – الناتو، المسألة بالكامل حيث يضع أوكرانيا على قدم المساواة مع بقية أعضاء الحلف باستثناء المادة الخامسة، بمعنى أن على أوكرانيا أن تستمرّ في قتال روسيا حتى النهاية، بينما سينتظر الحلف حصاد النتائج.