الاتحاد الأوروبي يطبق تجربة اليابان في التبعية
عناية ناصر
سيزور الرئيس الأمريكي جو بايدن المملكة المتحدة وليتوانيا وفنلندا من السادس عشر إلى العشرين من شهر تموز الحالي في محاولة جديدة من جانب الولايات المتحدة لربط الدول الأوروبية بمركبتها الجيوسياسية. وستتضمن أجندة بايدن في رحلته إلى أوروبا، قمة الناتو في فيلنيوس في ليتوانيا، وقمة قادة دول الشمال الأوروبي في هلسنكي في فنلندا.
إن الدول الثلاث التي سيزورها بايدن هي تلك التي سعت في السنوات الأخيرة للاقتراب من الاتجاه الاستراتيجي للولايات المتحدة.على سبيل المثال، كانت المملكة المتحدة عازمة على تسييس علاقاتها مع الصين. من جهة أخرى، يساهم إصرار ليتوانيا على منطقها المتمثل في الوقوف ضد الصين، والاقتراب من الولايات المتحدة في تعزيز المشاعر المعادية لروسيا، وتحدي المصالح الأساسية للصين بشأن مسألة تايوان، وتقويض التعاون العملي بين الصين وأوروبا الوسطى والشرقية. أما فنلندا فقد تخلت عن حيادها للانضمام إلى الناتو بعد الصراع بين روسيا وأوكرانيا، واندفعت إلى خط المواجهة للاحتواء العسكري لروسيا.
في الوقت الحالي، أظهر الاتحاد الأوروبي أكثر ميلاً في سياساته تجاه الولايات المتحدة، وقد أصبح أكثر اعتماداً على الولايات المتحدة في المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسي، وأصبحت الدول أكثر اصطفافاً مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بسياسات الكتلة، وحتى أنها أصبحت رائدة في مواجهة المنافسين الاستراتيجيين للكتلة على المستوى الإقليمي. من خلال النظر في السياسة الخارجية لليابان في السنوات الأخيرة، فهذا هو ما كانت تقوم به اليابان بالضبط.
على سبيل المثال، اقترح الاتحاد الأوروبي أولاً مفهوم “عدم المخاطرة”، وأصدر أول استراتيجية للأمن الاقتصادي، مكثفاً السرد المُسيّس في المجالين الاقتصادي والعلمي. وفي سياق متصل تشارك هولندا، إلى جانب اليابان، في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لمنع الصين من الوصول إلى تكنولوجيا تصنيع أشباه الموصلات المتقدمة. كما فرض الاتحاد الأوروبي 11 جولة من العقوبات على روسيا، وقدم لأوكرانيا أكثر من 13 مليار دولار من المساعدات العسكرية. وهكذا، يبدو أن الاتحاد الأوروبي، بوعي أو بغير قصد، أصبح مخلب قط الهيمنة الأمريكية، وألحق ضرراً خطيراً بمصالحه الخاصة في جوانب مختلفة، حيث يعد الاتحاد الأوروبي من الناحية الاقتصادية، من أكثر المناطق تضرراً من أزمة أوكرانيا وعواقبها، فهو يواجه مشكلات مستمرة في التضخم والطاقة، كما يواجه العديد من الأوروبيين تحديات غير مرئية تتعلق بارتفاع تكاليف المعيشة.
ووفقاً للبيانات الأخيرة، فقد شهدت منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي انكماشاً بنسبة 0.1 في المائة على أساس ربع سنوي في الربع الأخير من عام 2022. كما بلغ النمو الفصلي في الربع الأول من عام 2023 ما يعادل0.1 في المائة، و 0.2 في المائة فقط،على التوالي، حتى أن ألمانيا شهدت ركوداً فصلياً. وفي الوقت نفسه، تواجه القدرة التنافسية الصناعية للاتحاد الأوروبي، وخاصة في قطاع التصنيع، أزمة استدامة حادة، حيث تواجه العديد من الصناعات، وخاصة الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، إغلاقات دائمة، كما أدى قانون خفض التضخم الأمريكي إلى زيادة تقويض فرص العمل والاستثمار الصناعي في أوروبا.
في الآونة الأخيرة، أصدر معهد البحوث الاقتصادية الألماني تقريراً بحثياً يفيد بأن صافي تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر من ألمانيا في عام 2022 وصل إلى مستوى قياسي بلغ 125 مليار يورو، وهو الأعلى على الإطلاق. وفي الوقت نفسه، أدى فك ارتباط الاتحاد الأوروبي عن الطاقة الروسية، واعتماده المتزايد على أمن الولايات المتحدة، بسبب الأزمة الأوكرانية إلى توسع الاتحاد الأوروبي المستمر في مشترياته من الغاز الطبيعي المسال، والمعدات العسكرية الأمريكية، مما يشكل تحديات أكبر وأكثر أهمية لهيكله التجاري، ووضعه المالي. وفي هذا السياق، من المرجح أن تؤدي القوة الاقتصادية الدولية للاتحاد الأوروبي إلى تفاقم اتجاه التراجع.
في عام 2008، تجاوز إجمالي الناتج المحلي للاتحاد الأوروبي مثيله في الولايات المتحدة، في حين أن إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة كان أعلى من مثيله في الاتحاد الأوروبي في عام 2022. وتؤدي عيوب الاتحاد الأوروبي في الاقتصاد الرقمي، وأشباه الموصلات، وتكاليف الطاقة إلى زيادة تآكل قدرته التنافسية. وفي الوقت نفسه يؤدي ضعف اقتصاد الاتحاد الأوروبي أيضاً إلى إضعاف التأثير الدولي لعملته المشترك.
لقد انخفض معدل استخدام اليورو في نظام الدفع الدولي لجمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك “سويفت” في الأشهر الأخيرة، حيث وصل إلى أدنى مستوى له في ثلاث سنوات في نيسان من هذا العام بفجوة قدرها 11 نقطة مئوية مقارنة بالدولار الأمريكي. في عام 2012، تمت تسوية 45 في المائة من التعاملات باليورو، بينما شكل الدولار الأمريكي أقل من 30 في المائة. وبالنظر إلى تعرض الاتحاد الأوروبي لأزمات متتالية، مثل أزمة ديون منطقة اليورو، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ووباء كوفيد-19، فمن الصعب توقع زخم إيجابي قوي لدعم اتجاه التنمية المستقبلي لليورو.
لقد ضيعت اليابان 30 عاماً من خلال لعب دور تابع كامل للنظام الأمريكي المهيمن، والذي أدى في النهاية إلى نتائج عكسية من الناحية الاقتصادية. ومثل التجربة التاريخية لليابان، لا يزال الاتحاد الأوروبي منخرطاً في الألعاب الجيوسياسية، وألعاب القوى العظمى على حساب مصالحه الاقتصادية.