ثقافةصحيفة البعث

اتحاد الكتاب يحتفي بالقصيدة القصيرة جداً

أمينة عباس

قبل غيابه عن دمشق عُرف بانشغاله دارساً وناقداً وباحثاً ومشرفاً على العديد من الملتقيات التي كانت تهتمّ بمصطلح القصة القصيرة جداً، وقد توّج اهتمامه بها كمنظّر لها في كتابه “القصة القصيرة جداً بين النظرية والتطبيق” الذي عدّه النقاد من أهم الكتب النقدية العربية المعاصرة التي حاولت أن ترسم إطاراً نظرياً وتطبيقياً للقصة القصيرة جداً.. واليوم وبعد غياب دام 12 سنة يعود د. يوسف حطيني إلى دمشق في زيارة قصيرة ليحتفي بالتعاون مع اتّحاد الكتّاب العرب مؤخراً بإصداره الجديد “القصيدة القصيرة جداً” من خلال ندوة أدارها الإعلامي ملهم الصالح الذي بيَّن أنه كان من الضروري تسليط الضوء على القصيدة القصيرة جداً من خلال كتاب يوسف حطيني وهو من العناوين الطازجة في الراهن الثقافي، مشيراً إلى أن احتفاء اتحاد الكتّاب العرب بالكتاب وصاحبه يتزامن مع مرور ربع قرن على نيل حطيني درجة الدكتوراه من جامعة دمشق عام 1997 وهو الذي كانت اشتغالاته واضحة منذ نهايات الألفية الثانية في مشروع تنظيري يُعدّ مرجعية نقدية عربية.

ليست نتاج عصر السرعة

وأوضح الناقد يوسف حطيني في بداية الندوة أن قصته مع موضوع الكتاب تنبع من تجربة شعرية ما زال يعيش لذّة كتابتها بعد أن أثّرت به مجموعة من المقطّعات والمجتزءات والأبيات المنفردة التي شكّلت وعيه الإبداعي والنقدي، والتي كتبها قدماء ومحدثون، لذلك عندما فكّر بإنجاز كتابه وضع مخططاً ذهنياً من خلال البحث عن الصورة التراثية لهذا الموضوع ليؤكد للمعترضين على القصيدة القصيرة جداً الذين يرون أنها نتاج تغريب بأنها تستند إلى هوية تراثية وحديثة في آن واحد، وأنها ليست نتاج عصر السرعة كما يعتقد بعضهم، وقد أثبتت جذورها في الشعر العربي القديم، ورأى أن الالتزام بالتكثيف البنائي ضرورة من ضرورات القصيدة القصيرة جداً، وهو ناتج من نتائج تمحورها حول فكرة واحدة مركّز، وانطلاقاً من يقينه من أن الإيقاع الشعري هو البصمة الوراثية التي تحدّد الانتماء للشعر، مشيراً إلى أنه تطرق في فصول الكتاب إلى تاريخها ووضع خطوطاً واضحة بينها وبين ما قد يتداخل معها من ألوان أدبية كقصيدة النثر والهايكو اليابانية اللتين لا يميل لهما، غير أنه بِحكم تكوينها لأكاديمي وطّن نفسه على قبول شعرية قصيدة الهايكو لوجود قلة قليلة بلغت حدّاً فائقاً من جودة التعبير عنها، كما وطّنها على وجود قصيدة النثر لأن إنتاجها بلغ من الكثرة الحدّ الذي يجبر النقد على التعامل معها، مع تفريقه الصارم بين الشعر والنثر، حيث إن الفارق الفارز بينهما هو الإيقاع، ولا فضل لأحدهما على الآخر إلا بتفوق خصائصه، مع تأكيده أن ما ورد في الكتاب من آراء أمر يحتمل الأخذ والردّ والحذف والإضافة.

إضافة ليست في مكانها

وقف د. أحمد علي محمد في مشاركته عند عتبات الكتاب حسب التوصيف الذي قدمه جيرار جنيت في كتابه “عتبات” متناولاً خمس موازيات نصية فيه وهي عنوان الكتاب والاستهلال الذي جاء في مقدمته والفصل الأول المتصل بالمقطوعات الشعرية العربية القديمة من حيث علاقتها بالقصيدة القصيرة جداً، والفصل الثاني حول قصيدة النثر، والثالث متعلق بالهايكو العربية، مؤكداً أن عنوان الكتاب غير دالّ على الشكل الشعري العربي المابعد حداثي، وهو إضافة ليست في مكانها في خضم المسميات الكثيرة التي أطلقها الدارسون على هذا النوع من الشعر كقصيدة الومضة أو القصيدة المضغوطة أو القصيدة التوقيعة، وهي تسميات فيها خلط بينها وبين قصيدة النثر، كما خالف د. محمد قول حطيني إن القصيدة القصيرة جداً ليست نتاج تغريب لأن المقطعات الشعرية كمقطعات امرؤ القيس والخنساء وفدوى طوقان وفايز خضور لا علاقة لها بالشكل الشعري الوامض الذي يمثل مرحلة ما بعد الحداثة الشعرية، ولا علاقة لها بقصيدة النثر التي هي نتاج الحداثة التي تقاطع التراث، متسائلاً محمد: “إذا كانت الحداثة تقاطع التراث بهذه الصورة فكيف نقول إن قصيدة ما بعد الحداثة التي هي الومضة بنتٌ للتراث وهي في حقيقة الأمر ترجمة واستنتساخ للمصطلح الإنكليزي فاكشن أو فاشن فلاش؟” معبّراً في جانب آخر عن اتفاقه مع حطيني حول ما أورده عن قصيدة الهايكو العربية التي لا علاقة لها بالأصل الذي يمثل حالاً ثقافية لدى اليابانيين، في حين جاءت النسخة العربية تقليداً أجوف: “أشعر بالخجل عندما أقرأ لشاعر عربي قصيدة هايكو، والعرب من أكثر شعوب الأرض خبرة بالشعر”.

المنمنمة

ورأى د. نزار بريك هنيدي أن الكتاب مثير للاهتمام، وأن التنظير لأي موضوع يجب أن يعود بنا إلى الأسس للتفريق بين القصيدة القصيرة والقصيدة الطويلة، وهو أمر ليس جديداً في الأدب العربي برأيه، حيث فرّق ابن رشد بين القصيدة القصيرة والقصيدة الطويلة، ووضع مواصفات خاصة لكل منها، في حين ظهر اتجاهان في الأدب الغربي، الأول هو موقف أدغار آلان بو الذي يعدّ الشعر كله قصيدة قصيرة ولا يعترف بوجود القصيدة الطويلة، حيث إن كل قصيدة طويلة مجموعة من القصائد المتراكمة.. والاتجاه الثاني هو موقف هربرت ريد الذي لا يعترف بالقصيدة القصيرة كعمل إبداعي، منوهاً بأنه سبق وأن نظّر في هذا الموضوع وأطلق على القصيدة القصيرة جداً اسم المنمنمة وكان ذلك في كتابه “مهبّ الشعر” الصادر عام 2003، مبيناً أن كثرة المصطلحات تضيع هوية الجنس الأدبي، مع قناعته أن التجنيس يحتاج إلى وقت.

الأدب الوجيز

وتحدث أ. علي الراعي في مشاركته عن اقتران اسم يوسف حطيني بمُصطلح القصة القصيرة جداً لأكثر من عقدين من الزمن اشتغل فيها مع فريقٍ من الأدباء المُتحمسين لشكلٍ قصصي مختلف، ميزته القِصر بالدرجة الأولى، في حين يتصدى في كتابه “القصيدة القصيرة جداً” للمصطلح وحده، وهو يخصّ قُصارى القول من الشعر العروضي، ولا نصّ آخر غير الشعر العروضي رغم أنّ حطيني برأي الراعي وخلال رصده لجذور القصيدة القصيرة جداً تحدّث فصولاً عن قُصارى القول من الأشكال الشعرية الأخرى مثل قصيدة النثر، قصيدة الهايكو، وغيرهما.. غير أنه في مُصطلحه الجديد القصيدة القصيرة جداً يقصره على القصيدة العروضية دون غيرها، حيث إنّ الإيقاع الشعري العروضي أهم شروط الانتماء إلى القصيدة القصيرة جداً، وهو الشرط الذي يُقابل الحكائية في القصة القصيرة جداً، وهو وإن كان شرطاً أساسياً لازماً لكنه غير كافٍ لانتمائه لهذا الفنّ، بمعنى أن توفره لا يضمن نجاح النص، وعدم توفره في النص يُخرجه من دائرة الشعر، موضحاً أن الإيقاع الشعري كما ورد في الكتاب هو ما ارتضاه العرب لأنفسهم من ضوابط إيقاعية عروضية بدءاً ببحور الشعر العربي وانتهاءً بكلّ ما بُني عليها من تطويرٍ وتهذيب مثل الموشح وقصيدة التفعيلة التي اعتمدت تكرار التفعيلة الواحدة، إضافة إلى روافع إيقاعية أخرى يُمكن أن تُسهم في صناعة موسيقا النص الشعري.