السينما ليست بمنأى عن ثورة الذكاء الاصطناعي
عناية ناصر
أطل الذكاء الاصطناعي بتطوراته الهائلة ليقلق مضاجع الجميع، فالتحديثات التي يشهدها يوماً بعد الآخر أهلته للقيام بالعديد من الوظائف والمهام التي كان يقوم بها البشر، الأمر الذي قد يتسبب في إبعاد عشرات الآلاف من وظائفهم. ومع مرور الوقت ووتيرة التطورات التي يشهدها قد يسحب البساط من تحت أقدام الأيادي البشرية في كثير من الصناعات.
وليست صناعة السينما بمنأى عن تلك الثورة، فتقنيات الذكاء الاصطناعي استطاعت بالفعل تنحية الإنسان من بعض الوظائف، فنجحت في إنشاء صور ومقاطع مزيفة تخدم العملية السينمائية، كما نجحت وبشكل كبير في القيام بمهام مزج الصوت والتلوين والدوبلاج وتحرير الفيديو، هذا بخلاف إمكانية إنشاء تأثيرات خاصة عبر استخدام الخوارزميات.
ورداً على اتساع استخدام أنظمة لذكاء الاصطناعي، حيث تهدد هذه البرمجيات مئات الوظائف التي تعيل آلاف من العاملين في هذا القطاع، انضم ممثلو أكبر قطب للسينما في العالم إلى إضراب اتحاد كتاب السيناريو الذي يقودونه منذ أشهر مطالبين برفع أجورهم، وتقديم ضمانات تحمي مهنهم من تعويضها بالذكاء الاصطناعي.
هذه السابقة تعتبر المرة الأولى التي يشترك فيها الممثلون والكتاب في إضراب واحد منذ ما يزيد على 60 عاماً، وفي حال استمر الإضراب فهذا من شأنه أن يجعل السينما العالمية خالية بشكل تام من إبداعات هوليوود التي تواجه أزمة وجود ربما تعتبر الأخطر منذ أن أصبحت تلك المنطقة المعروفة باسم “تينسل تاون” وتقع في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا مركز صناعة السينما الأمريكية عام 1915.
وكان كتاب السيناريو قد استخدموا العديد من أوراق الضغط من أجل رفع أجورهم المتدنية بما يتناسب مع معدلات الأسعار المرتفعة خلال الأعوام الثلاث الماضية، خاصة في أعقاب جائحة “كوفيد19 ” في 2019، ومن بعدها الحرب الأوكرانية في شباط 2022. وعلى الرغم من الأرباح الطائلة التي تحققها الاستوديوهات من وراء منصات البث التدفقي عبر الإنترنت، إلا أن الكتاب والفنانيين لا يحصلون منها على شيء، بينما تقسم تلك الأرباح على الرؤساء التنفيذيين والإداريين، لكن مطالبهم قوبلت بالرفض التام من ملاك الاستوديوهات الذين وصفوا المطالب المرفوعة بالغير منطقية، ولا يمكن الموافقة عليها. ووفقاً لرئيس “ديزني” بوب آيغر عبر محطة “سي إن بي سي”، وبعد قرابة شهرين على تلك الاحتجاجات، دخل الممثلون على الخط لدعم زملائهم في المهنة، فمعاناة الجميع هي واحدة كما يقولون.
ويأتي هذا الإضراب الواسع من عاملي السينما والتلفزيون الأمريكيين، في عز الموسم الترفيهي بهوليوود، وفي وقت تستعد فيه شركات الإنتاج إطلاق عدد من الأفلام التي تراهن على أن تحدث ضجة هذا الموسم. وفي هذا السياق وصفت فران دريشر، رئيسة نقابة الممثلين الأمريكيين، قرار الإضراب بأنه “لحظة تاريخية”، وتابعت “إذا لم نقف الآن.. فإننا جميعاً معرضون لأن يتم استبدالنا بالآلات والشركات الكبيرة، التي تهمها “وول ستريت” أكثر منك ومن عائلتك”، في إشارة إلى عدم تأمين الممثلين في مواجهة غول الذكاء الاصطناعي، وتداعياته الكارثية على الكثير من الحرف والمهن ومنها التمثيل.
أسفر هذا الإضراب، خاصة بعد انخراط الممثلين فيه، عن إصابة صناعة السينما في هوليوود بحالة من الشلل شبه الكامل، فتوقف كتاب السيناريو عن العمل منذ أكثر من شهرين، بجانب أن امتناع الممثلين عن أداء الأعمال الموكلة إليهم، سيحدث هزة كبيرة في القطاع بأكمله لم يتعرض لها طيلة أكثر من ستة عقود، وستسفر عن خسائر هائلة.
ورغم ما يدعيه البعض من أن صناعة السينما عملية إبداعية تعتمد على الخيال والأفكار والتصورات البشرية التي من الصعب أن تصل إليها التقنيات التكنولوجية، فإن الطفرة ومعدلات السرعة الكبيرة التي يسير بها الذكاء الاصطناعي أقلقت الجميع ومنهم صناع هذا القطاع في الولايات المتحدة.
ومن هنا كان من بين المطالب التي رفعها كتاب السيناريو والممثلون خلال إضرابهم الحالي هو الحصول على ضمانات تحول دون استخدام برامج الذكاء الاصطناعي في كتابة نصوص السيناريو للأعمال، أو لاستنساخ أصواتهم وصورهم،حيث باتت تلك التقنية الوحش الذي يهدد صناعة السينما في العالم.
وعليه يرى البعض أن هوليوود، بوصفها مركزاً لصناعة السينما في العالم، تواجه في الوقت الحالي أزمة وجودية، وأنه إن لم يتم تدارك تلك الأمور والعمل على حل الأزمة قبل تفاقمها، مع وضع سيناريوهات إبداعية تحفظ لأعضاء تلك الصناعة حضورهم، وتأثيرهم وطمأنتهم في مواجهة بعبع الذكاء الاصطناعي، فإن ريادة هوليوود السينمائية وتفوقها ستكون مثار شك خلال السنوات القادمة.