تحقيقاتصحيفة البعث

الشوندر السكري يغيب عن بيانات المكتب المركزي للإحصاء ولا يستأثر باهتمام اللجنة الاقتصادية!

لم نفاجأ بغياب الشوندر السكري عن بيانات المكتب المركزي للإحصاء في إصدارته السنوية الأخيرة، فليست المرة الأولى التي تهمل فيها الحكومة هذا المحصول الزراعي المهم، فقد سبق وفعلتها حكومة ثمانينيات القرن الماضي، عندما ألغت زراعة الشوندر، وأخرجته من خططها الزراعية السنوية، متسببة بإغلاق معامل السكر الخمسة، وبخسائر جسيمة للفلاحين، وكانت الذريعة حينها انخفاض أسعار السكر في أسواقه العالمية، وبالتالي اختارت استيراده بدلا من تصنيعه، واضطرت حكومة التسعينات للعودة إلى زراعة الشوندر بمساحة تكفي لتشغيل معامل السكر من جهة، ولتبنيها نهج “الأولوية للزراعة”.

إهمال الزراعة 

نعم، لم نفاجأ بخروج محصول الشوندر السكري من خطط الحكومة – هذا إن كان لديها بالأساس إستراتيجية زراعية! – ومن بيانات المكتب المركزي للإحصاء، بسبب انخفاض السكر عالمياً، وإنما لأنه نتيجة حتمية لما يتعرض له القطاع الزراعي من إهمال في محاصيل أكثر استراتيجية وأهمية كالحبوب والقطن والأعلاف، فكما توقف معمل سكر سلحب عن الإنتاج بسبب قلة إنتاج الشوندر هذا العام، فإن معمل زيوت حلب توقف عن الإنتاج أيضا بسبب ندرة بذور القطن، والتي لن نستغرب أن يصدر قرار باستيرادها قريبا، دون أن ننسى خسارة محصول الذرة العام الماضي بسبب رفض اللجنة الاقتصادية استيراد آلات تجفيف المحصول!

السؤال: هل تخلت الحكومة نهائيا عن محصول الشوندر السكري الذي يؤمن بحدود 30 % من احتياجات السوريين من مادة السكر الأساسية؟

انتكاسة غير مبررة!

لقد بقيت مساحة الشوندر السكري منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي بحدود 30 ألف هكتار باستثناء عام 2009 حيث انخفضت إلى النصف (15.5 ألف هكتار).

وكان وسطي إنتاجنا من الشوندر بحدود 1.4 مليون طن سنوياً، بل وصل في عام 2010 – أي قبل الحرب الإرهابية العالمية على سورية – إلى 1.5 مليون طن، باستثناء عامي 2008 (1.1 مليون طن)، و2009 (737 ألف طن).

ووصل وسطي غلة الهكتار الواحد من الشوندر إلى 45 طنا، وارتفع سعر شراء الكيلو من 2.7 ليرة إلى 4.5 ليرة في عام 2010.

ماذا حصل خلال الـ 13 عاما الماضية؟

انخفضت المساحة المزروعة بالشوندر إلى أرقام متواضعة بل وهزيلة إلى ما دون 500 هكتار في عام 2017، وإلى 400 هكتار في عام 2019، وانخفضت إلى الصفر تقريبا حسب بيانات المكتب المركزي للإحصاء، في حين ورد في خطة وزارة الزراعة ان المساحة المخططة للشوندر في موسم 2023 تبلغ 1415 هكتارا فقط!!

وبدا واضحاً أن عدم إلغاء زراعة الشوندر كلياً والاكتفاء بمساحات هزيلة كان بسبب ما تعرضت له معامل السكر في الرقة ودير الزور ومسكنة وسلحب من تخريب، لكن مع عودة معمل سكر الغاب إلى العمل كان يفترض زيادة زراعة محصول الشوندر إلى إنتاج كميات تزيد عن حاجة المعمل، دون ان ننسى بأن المحصول يؤمن دخلا لآلاف الأسر من جهة، ويستفاد منه في مجالات عديدة أيضا.

لم تدعم الشوندر!

وعلى الرغم من ضآلة مساحة محصول الشوندر في العام الحالي، فإن وزارة الزراعة لم تبذل جهداً كافياً لإقناع اللجنة الاقتصادية أو رئاسة مجلس الوزراء بتأمين احتياجاته ليس دعما لمن زرعه فقط، ولكن لتأمين المادة الأولية أيضا لتشغيل معمل سكر الغاب الذي أقلع مجددا بعد توقفه لعدة سنوات.

ومع أن المؤشرات منذ شهر شباط الماضي أكدت أن إنتاج الغاب من الشوندر لن يتجاوز الـ 37 ألف طن، وهي كمية غير كافية لتشغيل شركة سكر تل سلحب، وستعرضها للخسارة، فإن لا وزارة الزراعة ولا اللجنة الاقتصادية ناقشت المشكلة، واتخذت القرارات اللازمة لحلها قبل فوات الآوان!

طبعاً الفلاحون ومن خلال تجاربهم السابقة في الأعوام الأخيرة مع محصول الشوندر فقدوا الثقة بوعود وزارة الزراعة وبعدم اكتراث اللجنة الاقتصادية، لذلك رفضوا منذ بداية الموسم توقيع عقود مسبقة لتوريد المحصول إلى شركة السكر، لأنهم – على حد تعبير المدير العام للمؤسسة العامة للسكر سعد الدين العلي – “يبحثون عن زراعات أقل تكلفة وبعمر أقصر!”.

وهذا اعتراف مباشر بتقصير وزارة الزراعة بدعم محصول صناعي وغذائي، وبرفض اللجنة الاقتصادية لتوفير مستلزمات زراعة هذا المحصول في حين توافق وبسرعة على استيراد احتياجات السوريين من مادة السكر بالقطع الأجنبي، في حين يمكن تأمين نسبة كبيرة منها بالعملة السورية!

أما الاعتراف الأخطر لمدير عام مؤسسة السكر، فكان بتاريخ مبكر، وتحديدا في 4/ 3/ 2023، فقد أكد: “لم يحظ  مزارعو  الشوندر بأي شيء من الدعم، لا لجهة  الأسمدة، ولا  لجهة المحروقات، رغم  تكلفته الإنتاجية العالية!”.

السؤال المحيّر: لماذا تقرّ وزارة الزراعة خطة هزيلة لزراعة الشوندر، وتعجز عن إقناع اللجنة الاقتصادية بتأمين مستلزماتها كي لا يتعرض الفلاحين وشركة السكر معا لخسائر فادحة؟

علف للماشية

لقد وضع مدير الإنتاج النباتي في الهيئة العامة لتطوير الغاب، المهندس وفيق زروف، إصبعه على الجرح، فشخص الواقع بدون رتوش: “السبب الجوهري لعدم إبرام مزارعي  الشوندر العقود مع شركة سكر  سلحب، هو طول عمر المحصول ومكوثه في الأرض حيث يحتاج لمدة سنة، وطيلة  هذه  الفترة يحتاج  إلى مستلزمات  ورعاية وهذا  لا طاقة لزارعيه عليه.. أغلبهم من  المزارعين الفقراء، لهذا  كل ما تمت زراعته  لا يتعدى الـ 800  هكتار، وهذه  مساحة قليلة جداً، وغالباً  ما يكون مردودها ضعيفاً ولا يشغل  معمل السكر كما جرت  العادة!”.

ومع أن هذا التشخيص للواقع أتى مبكرا، فإنه لا وزارة الزراعة ولا اللجنة الاقتصادية ولا رئاسة الحكومة استجابوا لصرف العلاج قبل فوات الأوان، وهذا يؤكد أن الحكومة غير مهتمة أساسا بتصنيع السكر محليا من الشوندر السكري، فالحل الأسهل دائما وأبدا عن طريق الاستيراد!!

وها قد وصلنا إلى النتيجة وهي حصاد ما زرعناه فالشوندر لن يصلح سوى علفا للماشية، تماما كما حصل في السنوات السابقة!!

وما من خيار آخر لأن الكميات المنتجة ولو وصلت إلى 40 ألف طن ليست كافية لتشغيل شركة سكر سلحب سوى لعدة أيام، وبالتالي فهي خسارة محتمة وستبقى الشركة مغلقة ريثما تقتنع الحكومة بالجدوى الاقتصادية لتصنيع نسبة جيدة من السكر من الشوندر، ولا يبدو أن الحكومة ستصل إلى هذه القناعة في الأمد المنظور!

آليات تنفيذية على الورق!

لو عدنا إلى بدايات العام الحالي لاكتشفنا بأن مجلس الوزراء وافق على توصية اللجنة الاقتصادية المتضمنة الآلية التنفيذية التي اقترحتها وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي لتحفيز المواطنين على استثمار الأراضي القابلة للزراعة، ويفترض أن هذه الآلية تشمل تشجيع الفلاحين على زراعة الشوندر السكري، وخاصة انه المادة الأولية لتشغيل معمل سكر الغاب!

وبما أن الشركة تحتاج إلى كمية كافية لتشغيل الشركة إلى مالا يقل عن شهر، فقد كان على الوزارة بعد موافقة مجلس الوزراء على آليتها التنفيذية أن تشجع الفلاحين على التوسع بزراعة الشوندر، من خلال إقرار سعر شراء مجز وتأمين المستلزمات الأساسية من مياه ومحروقات، لكنها لم تفعل، والأمر لم يقتصر على الشوندر، فهو يكاد يشمل جميع المحاصيل بما فيها الحبوب والأعلاف والحمضيات!

السؤال: ما جدوى قيام مجلس الوزراء بإقرار الآلية التنفيذية لوزارة الزراعة لتحفيز المواطنين على استثمار الأراضي القابلة للزراعة؟

الخلاصة:

الواقع يؤكد أن رئاسة مجلس الوزراء لم تلزم الجهات الحكمية المعنية بتوفير الأسمدة والمحروقات ومياه الري الكافية للقطاع الزراعي بما فيه الشوندر السكري، كما لم يتابع مجلس الوزراء في اجتماعاته اللاحقة لإقرار الآلية التنفيذية، تطبيق الأنظمة والقوانين والقرارات والبلاغات ذات الصلة بتنفيذ الخطة الزراعية ومن ضمنها الشوندر.. والسؤال: لماذا بقيت الآليات التنفيذية لخططنا الزراعية على الورق بلا تنفيذ!!.

علي عبود