عصام المأمون.. ” التنك” مادة تساعدني بطرحي الفكري في اللوحة
ملده شويكاني
الطالب الصغير الذي رفض أن يقصّ صور الأبطال ويلصقهم على الدفتر كما فعل سائر الطلاب، رسمهم بالقلم الرصاص على دفتره، فأعجب برسوماته أستاذ التاريخ وأثنى عليه وشجعه على تنمية موهبته.
لم يكن يعرف حينها أنه سيصبح الفنان التشكيلي الأكاديمي، عصام المأمون، الذي حقق حضوراً لافتاً رغم قلة معارضه الفردية، وغزارة مشاركاته الجماعية بأسلوبه المختلف المبني على اندماج كتلة النحت النافرة المصنّعة من مواد مختلفة مع سطح اللوحة، والألوان بصورة تكاملية التي تجمع بين النحت والرسم والغرافيك.
ولعل لوحته “الأم السورية” هي الأكثر تأثيراً كونها اختزلت معاناة الأم والمرأة السورية عامة في سنوات الحرب القاسية.
بدأ شغفه بالرسم منذ صغره فتعلم مبادئ الرسم الأساسية من والده، وبعد سنوات التحق بكلية الفنون الجميلة، وتخرج بدرجة جيد جداً وعمل بالديكور، إضافة إلى الرسم الذي اتخذ مساراً جاداً بالبحث والتجريب وصولاً، إلى أسلوبه الخاص بالتعبير عن موضوعات إنسانية، بطلها الإنسان الذي تؤرقه هموم وهواجس وتصادفه صعوبات وعوائق في هذه الحياة.
اتسمت أعماله بمسحة من فلسفة الفنون، وطغيان العمل الفكري ضمن هياكله المركبة على فضاءات لوحاته التي تعنى بإبراز لون تدور حوله الألوان.
وجوه من التنك
من خيزران النخيل ومواد مختلطة إلى معدن التنك التي وظّفها ضمن مجموعته الجديدة “وجوه من تنك” التي يعّدها لمعرض فردي جديد، إلا إنه فضل أن ينشرها على صفحته تباعاً ويشارك معه متابعيه ريثما يتم تحديد المعرض.
التنك ومتطلبات العيش
تتصف المجموعة المشغولة بعناية بتحديد الهياكل بأسلوبه التعبيري، وتركيزه على الوجوه التي طحنها الزمن بإضافة تقنية “الكولاج” من معدن التنك بدقة وحرفية عالية، كونه اشتُهر بتوظيف “الكولاج” بأعماله بتقنية تعزز العمل وتضيف إليه، فقدم إحدى لوحات باسم ” أبو العيال” بوجه من تنك، خجل أمام واجباته، وجه لا يشبه أحداً، إذ صوّر فيها الرجل وسط اللوحة تغطي تقسيمات التنك ملامح وجهه، وتحيط به من الأعلى هياكل أفراد عائلته الذين ينتظرون أبسط متطلبات العيش.
تجاعيد الزمن
وفي صورة من صور الحب أشار إلى العطاء والاستمرار بحالة الأم التي تمنح جنينها الحياة، أي العطاء والاستمرار كما هي الأم، فأظهر تجاعيد معدن التنك وقد هيمن الصدأ عليه دلالة إلى تجاعيد الوجه بعد تعب السنوات بلوحة قدمها بالمعدن الأكثر تأثراً، لأنه الأكثر فقراً.
تناقض ومفارقات
أما اللوحة التي تداخلت فيها الألوان، ودمج فيها بين هياكل الأفراد وحبات العنب والكأس الذي تتناوله الأيدي مظهراً حالة تناقض بين الخير والشر، حتى أن كثير من الوجوه أسقط عنها كل الخجل، لكن مازال الخير باقياً.
مشهد تعبيري أكثر دهشة
وقد أوضح الفنان عصام المأمون في حديثه مع “البعث” عن مجموعته
“وجوه من تنك” بأنها تكنيك جديد أضفته إلى أبحاثي السابقة لأقدم مادة جديدة لها رموزها ودلالاتها في مشهد تعبيري بصري جديد أكثر دهشة، من مادة التنك المعدن الرخيص الذي آوى الفقراء تحت سقفه، واستعملوه في حياتهم.
ويقول الفنان إن مفردة” التنكه” التي تذكرنا بأشياء قديمة، كيف تكون إذا تعرضت للكسر والدهس والبرد والصدأ؟. حينها ستعطي تضاريس استطعتُ توظيفها.
جرأة التجريب
ويتابع، لقد استوحيتُ الفكرة بعد تأمل قطعة من التنك فيها تضاريس وتشققات وصدأ، فأحسستُ بما تعرضت له من أوضاع سيئة فرضت تجاعيد على سطحها تشبه وجوهنا المتعبة، فأردتُ أن أشاركها في أعمالي وأعدها مادة تعبيرية جديدة تساعدني بطرحي الفكري في اللوحة، لاسيما أنها تحمل رموزاً وجمالاً كمادة تشكيلية، وهذه جرأة التجريب بتوظيفها بخبرات تشكيلية واعية نمت عن تجارب ودراسات وأبحاث بدأت من دراستي الأكاديمية في كلية الفنون الجميلة حتى الآن، فبدأت بثني المادة الصاج ومن ثم أصنّعها تشكيلياً بالشكل والحجم الذي يخدم العمل، ووظّفتها بمواضع خاصة بوجوه الناس البسطاء المظلومة والطيبة مع اللوحة القماشية وألوان الإكليريك وأجزاء من الخشب القديم، تمازجت فيما بينها على سطح العمل معتمداً على النحت والتصوير والغرافيك للبحث عن مشهد بصري جديد.
الإنسان والتطوير
أما عن موضوع الانسان فعقب المأمون: أجسد الإنسان عامة على هذه الكرة الأرضية رغم كل التطور العلمي والحضارات الكاذبة التي جعلت الإنسان يعاني من المشكلات النفسية والاقتصادية والاجتماعية، فكانت تجربتي مع التنك محاولة تعبيرية لإظهار الوجه والتعبير الداخلي للإنسان الذي استخدم التطوير بشكل سيء أدى إلى تعبه وتعب الطبيعة والأرض.
وخلال مساري الفني جربت العمل بكثير من المواد لكنها جميعها تحمل بصمة تعبيرية واحدة، لأن البصمة عند الفنان ليست بالتكرار، وإنما بطريقة التفكير والصياغة مع الشكل والتشكيل.