ثقافةصحيفة البعث

قراءة في رواية “نعم هزمتني التقاليد”… جرأة وسرد روائي واقعي

الروائية نهى المودي أمام قوة أو مملكة تفصل بيننا وبين الواقع، إنها مملكة الخيال الفعال، فقد اعتمدت في أسلوبها الروائي وسيلة البحث والسؤال حول عدة قضايا اجتماعية، وتناولت جرأة الوصف الحسي والروحي والجمالي، وصيرورة الحدث التي تؤدي إلى صراع الشخصية بين الحلم والواقع، يفرق حياتها بألوان الانقباض والاكتئاب والهزيمة التي جسدها الواقع بتقاليد ومعايير اجتماعية باتت عائقاً، ومعيقاً لصرخات النفس.

لم تكن رواية “نعم هزمتني التقاليد” للروائية نهى المودي سوى عاصفة تجول حقول الفكر، فتارة تثير الدهشة وأخرى تفيض المشاعر كالشمس في كل مكان وزمان. استطاعت الروائية أن تستعير من هذا العالم عالمها الخاص لتنسج رواية قرأنا فيها ذواتنا وشعرنا أننا بين صفحات كتابها. حاولت الروائية أن تجعل من روايتها عاصفة من الإبداع تهوى الارتقاء إلى عالم أبدي على وجه الزمان من خلال هوية الكلمة، حيث أثبتت هويتها الفكرية والأدبية بعمق ما استحضرته من الواقع لتقول في الصفحة/8/ “حملت بشرى بين جوانحها هموم الحياة ومشاعر المرأة في ظل واقع متردي عالم ذكوري ألقى بالحيف على المرأة لتبدو كالسائمة تباع وتشترى في وأد لا يستجيب له سوى صدى همساتها في غياهب الصمت الرهيب”.

استطاعت الكاتبة أن تخترق عالم التقاليد بروايتها وتسلط الضوء على ذلك الجانب المظلم بحياة المرأة بأسلوب سلس يشد القارئ بكل حواسه لتثير قضية اجتماعية وصراع الوجود والعدم، يعني إثبات حركة تجديدية وصيرورة دائمة، أي وجود حركتين رئيستين داخل النص والتمركز حولهما: الحب_الكراهية_السعادة_الألم_الموت_الحياة: “كم أشعر بالأسى وأنا أراك هكذا تتمزقين وأنت تعيشين حياتين متناقضتين حياة حية، وحياة ميتة في الحياة الحية يمارس فيها الإنسان إنسانيته الطبيعية، ولكن في الميتة بكيت في داخله كل ما لا يرضى عنه من حوله في المجتمع فيقضي على رغباته القوية الحقيقية ويبقي الرغبات الضعيفة التي لا تحتاج لقانون رادع فيبدو بذلك كأن كل شيء مباح هو شيء غير حقيقي أن الكبت يا بشرى هو إلغاء النفس أمام الآخرين”.

هنا نجد صراع الكاتبة بتناقض الألفاظ، ونجدها تدخل في التوتر والتمرد وهذا ما يساعدها في تعميق دلالة النص، وتحريك مكامن الشعور عند الكاتبة والمتلقي على حد سواء، حيث تقول: “أما عن الألم لحظة الاحتضار فإن صدى هذا في نفس الكائن البشري المحتضر هو السر الذي يطوى في صدره ويدفن معه في جدثه كآخر ذكرى من آلام الدنيا فلو أتيح لميت أن يروي الأم تلك اللحظة، لما نعم إنسان بساعة صفو في حياته، ولمات ذعراً، قبل أن تدركهم النهاية”.

تمكنت الكاتبة من الإقناع وتوليف الأحداث لتحقيق الارتكاسات الشعورية المطلوبة وردم الفجوة مابين تلك التداعيات المتلاحقة والمتأرجحة الناتجة عن صيرورة الحدث، ونجد الكاتبة متمتعة بتفاصيل السرد الوجداني الذي تطرح من خلاله أسئلة أنطولوجية عن قضايا تؤرق الوجود، وتغوص فيها أنين النفس وتساؤل الروح الحائرة بلغة أنيقة وبأسلوب فني متميز بالتكثيف والاختزال، والقدرة على إعادة تشكيل الصورة الإبداعية فكان الصراع واضحاً في كثير من الطروحات التي جسدتها في روايتها “نعم هزمتني التقاليد” لتعتمد على اللغة الرمزية والدلالة والتوغل في عمق الأحداث التي تتحول إلى هامات ومساحات مضيئة تنسجم مع الطرح المليء بالانفعال العاطفي، حيث تؤكد الكاتبة قدرتها على البناء لغوياً خاصة من حيث الفكرة والرسالة المراد تمريرها للقارئ وهي تقول: “كم نحتاج في حياتنا في كثير من الأحيان للهذيان، لنعيش بعيداً عن كمامة العقل، الذي يفرض علينا أحياناً أن نضحي من أجل الآخرين ولا نضحي بهم”.

الكاتبة نهى المودي بما تملكه من ثقافة متنوعة شملت في روايتها مضامين علم النفس وعلم الاجتماع، وتمكنت على مناهضة الظلم في روايتها “نعم هزمتني التقاليد”، فقد أحاطتها مشاعر الإنسانية والشمولية، ومناصرة المرأة وقد تمكنت من إقناع المتلقي علمياً من المنظور السيكولوجي أن الأشخاص الذين يحملون عقداً خاصة مرتبطة بالإهمال أو عدم الرعاية في طفولتهم.

كانت الكاتبة أمام قوة أو مملكة تفصل بينها وبين الواقع، إنها مملكة الخيال الفعال وهي وسيلة من وسائل البحث وكشف المعرفة والخيال وهو قلب الصفات الحسية وجعلها في صفاء العالم الروحي والجمالي، ولكن صيرورة الحدث تبعثر تلك الجمالية وتؤدي إلى تداعيات الحس والسير في ركب الحيرة والضياع وعندئذ تنتج معاني الأمور الحسية في مادتها المحسوسة فستنفد طاقة الحلم إلى درجة الاستهلاك لطاقة الحواس، إنه صراع الشخصية بين الحلم والواقع.

رواية “نعم هزمتني التقاليد” تدخل في إطار الدراما لما استحضرته من الواقع لتعلن ثورة موازية تنصهر بالطبيعة الإنسانية لتزّود نفسها بقوة الإيمان

هويدا محمد مصطفى