أزمات تؤخر عملية السلام في جنوب السودان
البعث الأسبوعية- عناية ناصر
أدت الحرب التي اندلعت في السودان في شهر نيسان الماضي إلى تحويل الاهتمام الإقليمي والدولي بعيداً عن الضغط على حكومة جنوب السودان للامتثال لشروطها الانتقالية، ويمكن أن تؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية العميقة والعنف المجتمعي في ذلك البلد. كما أنها تشكل تهديداً محتملاً على عائدات النفط الرئيسية في جنوب السودان، مما قد يؤدي إلى تفاقم المنافسة وانعدام الثقة داخل القيادة.
أعيق تنفيذ اتفاقية السلام في البلاد لعام 2018 بسبب العديد من العوامل الداخلية والخارجية، مما أدى إلى تمديدها لمدة عامين حتى شباط 2025. ويأتي التمديد مع معايير مهمة يجب الوفاء بها قبل الانتخابات التي ستجري في كانون الأول 2024. وتشمل هذه المعايير تعديل الدستور، وتوحيد القوات المسلحة، وإعادة انتشارها، وإعادة تشكيل القوانين والمؤسسات المتعلقة بالانتخابات.
تعرضت عملية السلام للخطر بسبب الافتقار إلى الإرادة السياسية لتنفيذ الإصلاحات الحاسمة، والافتقار إلى الثقة بين الأطراف، وضعف المؤسسات بما في ذلك قوات الأمن، ونقص الموارد، والعنف، والكوارث الطبيعية مثل الفيضانات. بينما تشمل العوامل الخارجية عدم استقرار السودان منذ عام 2019 ، وجائحة كوفيد-19، و الحرب في شمال إثيوبيا، وسحب الولايات المتحدة للأموال من آليات مراقبة عملية السلام بسبب عدم إحراز تقدم مستدام.
علاوة على ذلك، هناك تدفق للمهاجرين من جنوب السودان العائدين من السودان – أكثر من 117000 – مما زاد الضغط على الوضع الاقتصادي والأمني الهش بالفعل في جنوب السودان، وهؤلاء العائدون بحاجة ماسة إلى الطعام والضروريات الأخرى، والمخيمات المناسبة، خاصة بعد أن تم حرق منازلهم أو احتلالها من قبل الوافدين الجدد، مما أدى إلى مواجهات وأعمال عنف بين العائدين والسكان. حتى أن قوة الأمن الموحدة في البلاد ليست مستعدة لمنع هذه الأعمال العدائية وإيقافها.
تزداد حدة المشكلة بشكل خاص في أماكن مثل ملكال، عاصمة ولاية أعالي النيل في جنوب السودان والوجهة الرئيسية للعائدين الجدد الفارين من الصراع في السودان. وفي هذا الإطار يقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه من المتوقع أن يصل حوالي 25000 عائد ويبقون في ملكال، وهي بالفعل بؤرة للعنف بسبب نقص الموارد.
كانت الأزمة الإنسانية في جنوب السودان رهيبة لعدة سنوات، بسبب العنف والفيضانات الشديدة. ويحتاج ما يقدر بنحو 9.4 مليون من السكان حالياً إلى المساعدة، لكن الحكومة تفتقر إلى الموارد المالية لمعالجة مشاكل البلاد. قد تؤدي مطالب العائدين التي لم تتم تلبيتها إلى مزيد من الاشتباكات، والتي يمكن أن تتصاعد حدتها بسرعة إلى نزاعات طائفية، وهجمات على الجهات الفاعلة في المجال الإنساني، وسيؤدي عدم الاستقرار هذا إلى جعل إكمال العديد من معايير الانتقال البارزة أكثر صعوبة.
من جهة أخرى تهدد الحرب في السودان أيضاً حقول النفط وخطوط الأنابيب والمرافق الأخرى الموجودة هناك والتي يستخدمها جنوب السودان ويدفع ثمنها، وهذا يمكن أن يقلل بشدة من عائدات النفط في جنوب السودان، والتي تمثل ما يصل إلى 90٪ من دخل الحكومة. ترسل البلاد نفطها الخام إلى الأسواق الدولية عبر بورتسودان جارتها الشمالية على البحر الأحمر عبر خط أنابيب يبلغ 1600 كيلومتر، وهذا يجعل السودان الضامن والحامي للبنية التحتية النفطية التي تمر عبر أراضيه مقابل رسوم عبور من جنوب السودان.
على الرغم من أن وزارتي النفط في كل من السودان وجنوب السودان قالتا إن منشآت حقول النفط في السودان محمية بشكل جيد، إلا أن هناك مخاوف من عدم استمرار تدفق النفط إلى الأسواق الدولية. وهناك بالفعل تقارير عن قوات الدعم السريع السودانية التي تهدد بإغلاق خطوط أنابيب النفط في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات ما لم يوافق جنوب السودان على تقاسم عائدات النفط أو التوقف عن دفع رسوم العبور إلى الحكومة التي يقودها الجيش.
يمكن استخدام أمن حقل النفط كورقة مساومة من قبل الفصائل المتحاربة في السودان بحثاً عن تحالف مع حكومة جنوب السودان. وإذا اتجهت جوبا نحو إحدى القوات، فمن المرجح أن تستخدم الأخرى حماية حقل النفط للضغط على جوبا لتغيير ردها، وهذا يعني أن أمن حقل النفط يعتمد على طبيعة مشاركة جنوب السودان في إدارة الصراع.
بالإضافة إلى ذلك، تعطلت اللوجستيات ونقل إمدادات إنتاج النفط الأساسية التي تعتمد على الطريق المؤدي إلى بورتسودان. اليوم أعلن جنوب السودان أنه سيستورد الآن إمدادات النفط الأساسية عبر موانئ جيبوتي وكينيا بدلاً من بورتسودان بسبب الحرب، مما يزيد من تكاليف وأعباء جنوب السودان. على الرغم من أن عدم المساءلة عن الإنفاق الحكومي على عائدات النفط في البلاد هو سبب رئيسي لمشاكلها الاقتصادية، فإن هذا التهديد الجديد يحد من قدرة جوبا المالية على تنفيذ معالم مهمة قبل الانتخابات.
بالنظر إلى سحب الدعم المالي الدولي الكبير خلال السنوات الماضية، فإن الموارد المحلية المستدامة أمر حيوي. وإذا انخفضت تدفقات الإيرادات المحلية، فمن المرجح أن تزداد التعاملات غير القانونية والمنافسة بين قيادة الدولة أثناء محاولتهم سد الفجوة والسعي لتحقيق مصالحهم، وسيؤدي ذلك إلى إثارة الشكوك والتوتر بين الجماعات السياسية، مما يجعل من الصعب حل القضايا الرئيسية قبل الانتخابات.
في حين أن وقف تصعيد الصراع في السودان يمثل أولوية قصوى، يجب على جنوب السودان الحفاظ على الحياد تجاه الأطراف المتحاربة لتجنب جعل حقول النفط هدفاً، كما يجب أن تكون حماية حقول النفط محور جهود حل النزاعات الإقليمية والدولية، مع تحميل كلا الجانبين في السودان المسؤولية الكاملة. وبالتوازي مع ذلك ، هناك حاجة إلى مساعدات مالية دولية لمعالجة الحالة الإنسانية الأليمة في جنوب السودان.