ثقافةصحيفة البعث

الموسيقار محمد الموجي.. فارس النغم

احتفت الأوساط الفنية في الوطن العربي بمرور 100 عام على ولادة الملحن محمد الموجي، حيث استعاد كبار المطربين أغانيه عبر العديد من الحفلات التي أقيمت على أهم المسارح العربية. وفي دمشق أقام المنتدى الاجتماعي أمسية فنية تحت عنوان “فارس النغم الموسيقار محمد الموجي”، وذلك ضمن سلسلة أمسياته الشهرية التي يديرها المؤلف الموسيقي إيهاب مرادني ويتحدث فيها عادةً الباحث الموسيقي عثمان حناوي عن عمالقة الطرب، وتحظى بحضور كبير من محبي الزمن الجميل، خاصةً وأن حناوي يحرص دائماً على مفاجأة الحضور بعرضه لتسجيلات نادرة لأهم المطربين.

أحد العمالقة الكبار

أشار عثمان حناوي في بداية كلامه إلى أن محمد الموجي فنان عظيم وأحد العمالقة الكبار الذين أثروا المكتبة الموسيقية، وهو بما قدّمه من ألحان لا يقلّ مكانة عن محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي، وأن مسيرته تكاد تشبه مسيرة الكثير من الملحنين الذين بدؤوا طريقهم كمطربين ولكن سرعان ما تركوا الغناء لتلمع أسماؤهم في مجال التلحين، مبيناً أن الموجي من مواليد كفر الشيخ، وكان والده عازفاً على آلتَي الكمان والعود، وأتقن الموجي العزف على آلة العود مبكراً، وبعد حصوله على دبلوم الزراعة عام 1944 وعمله في عدة وظائف، بدأ مشواره الفني بالعزف على العود في فرقة بديعة مصابني.

مع عبد الحليم حافظ

اتجه محمد الموجي إلى التلحين في العام 1951 وكانت أولى أغنياته لعبد الحليم حافظ الذي شدّ انتباه الموجي بصوته، فقدم له أغنية “صافيني مرة” التي لم تلق صدى طيباً – برأي حناوي – حين تقديمها أول مرة واحتاجت إلى ثلاث سنوات ليعيد الجمهور اكتشافها وتحظى بالإعجاب الشديد وتحقق لحافظ والموجي شهرة واسعة جعلتهما يرتبطان بعلاقة صداقة قوية وشراكة فنية ناجحة أثمرت أكثر من 40 أغنية، أشهرها “يا حلو يا أسمر”، “يا مالكاً قلبي”، “جبار”، “حبك نار”، “رسالة من تحت الماء”، “قارئة الفنجان” والتي كانت آخر ما غنّى عبد الحليم حافظ، ولم ترَ النور إلا حين قرر عبد الحليم حجز الموجي في غرفة في فندق للانتهاء منها. وأشار حناوي إلى أن علاقة الموجي الفنية بعبد الحليم شابها بعض التوتر والقطيعة في فترة من الفترات بسبب الأجر الذي كان يتقاضاه، إلا أن علاقة الصداقة القوية بينهما كانت هي كلمة الفصل للاستمرار معاً.

للصبر حدود مع أم كلثوم

وبيّن حناوي أن الشهرة التي حققها الموجي دفعت أم كلثوم لطلبه في بيتها لتلحين قصيدة وطنية، وعلى الرغم من تردّده واقتراحه أن يبدأ العمل معها بأغنية خفيفة، إلا أن أم كلثوم أصرّت على القصيدة، فقدم لها لحناً حقق نجاحاً كبيراً دفعها للتعاون معه مجدداً في أكثر من قصيدة وأغنية، أهمها “للصبر حدود” كلمات عبد الوهاب محمد والتي كان من المفترض أن يقوم بتلحينها خلال شهر إلا أن الموجي استغرق في تلحينها وقتاً طويلاً بسبب انشغاله مما جعل أم كلثوم تقيم ضده دعوى قضائية بسبب تأخره في إنهاء اللحن الذي نجح نجاحاً كبيراً حين رأى النور عام 1963 ليكرّر هذا النجاح مع عبد الوهاب محمد وأم كلثوم عام 1970 من خلال أغنية “اسأل روحك”.

تعاون مع كبار المطربين

وأوضح حناوي أن الموجي تعاون مع كبار المطربين في الوطن العربي، فالمطربة فايزة أحمد توجّهت من سورية إلى مصر لتتعاون معه، فكانت باكورة تعاونهما أغنية “أنا قلبي إليك ميّال” و”يما القمر ع الباب” اللتان نجحتا نجاحاً ساحقاً، ووصف حناوي الموجي بالمغامر لأنه كسر كملحن احتكار بليغ حمدي لوردة الجزائرية حين قدم لها العديد من الأعمال الناجحة التي تختلف بأسلوبها عما كان يقدمه لها بليغ حمدي مثل: “أول قضية حب، المستحيل، أكدب عليك، يا دلالي عليه، لازم نفترق”، في حين قدّم لشادية أكثر من 30 أغنية غنّت معظمها في الأفلام مثل: “شباكنا ستايره حرير، يا قلبي سيبك” في فيلم “الهاربة” عام 1958 وفي العام 1970 غنّت له أغنيتها الشهيرة “غاب القمر” ثم “بست القمر” عام 1971 في حين قدم لنجاة الصغيرة أغنية “عيون القلب” و”أما براوه” ولمحرم فؤاد قدم “رمش عينه يلي جرحني”، ولحّن لعفاف راضي أشهر أغانيها “يهديك يرضيك” عام 1976 التي غنتها في فيلم “مولد يا دنيا”، كما قدم لمحمد قنديل “يا حلو صبح”، ولعزيزة جلال “إلا أول ما تقابلنا” و”هو الحب لعبة”، ومن سورية لحن لميادة حناوي أربع أغان: “اسمع عتابي، يا غائباً لا يغيب، جبت قلب منين، زي الربيع”، منوهاً بأن الموجي لم يكتف بألحانه لكبار المطربين بل استطاع أن يدعم المواهب الشابة، فكان هو من اكتشف صوت هاني شاكر عام 1972 عندما غنى له أول أغنية بعنوان “حلوة يا دنيا” ومن ثم “جينا للهوى والفرح جينا”.

الممثل

جرّب محمد الموجي التمثيل وفي رصيده ثلاثة أفلام سينمائية تعاون من خلالها مع كبار الفنانين والمخرجين في السينما المصرية. وبيّن حناوي أن الفيلم الأول له كان في العام 1957 وحمل عنوان “رحلة غرامية” إخراج محمود ذو الفقار وبطولة شكري سرحان، مريم فخر الدين، سميرة أحمد، وفي العام نفسه عُرض فيلمه الثاني “أنا وقلبي” ليكون التعاون الثاني له مع المخرج محمود ذو الفقار، وجسّد فيه شخصية مطرب يُدعى مجدي، وكان من بطولة مريم فخر الدين، عماد حمدي، عبد المنعم مدبولي، صلاح نظمي. وبعد مرور سبع سنوات قدّم الموجي آخر أفلامه السينمائية “العزاب الثلاثة” إخراج محمود فريد بطولة حسن يوسف، سعاد حسني، عبد المنعم إبراهيم، ليتوقف بعده عن التمثيل الذي لم يجد نفسه فيه.

نهر لا يجف

توفي محمد الموجي عام 1995 وفي رصيده ما يزيد على 1500 أغنية، وهو الذي وصفته أم كلثوم بأنه “نهر لا يجف ولا يتوقف.. مليء بالموسيقا الجديدة الشرقية المتطورة”، وقال عنه محمد عبد الوهاب: “هذا الملحن في رأسه مكتبة موسيقية بحيث لا أكاد أعرف من أين تأتيه هذه الجمل الرائعة التكوين.. إنه صانع نجوم.. وفي موسيقاه ثراء فني جديد وكبير يثري مكتبتنا الموسيقية العربية ثراء عظيماً”.

أمينة عباس