ثقافةصحيفة البعث

الملتقيات الثقافية.. هل تعكس حالة الواقع الثقافي؟

تنتشر الكثير من الملتقيات الثقافية الخاصة التي تسلط الضوء على أنشطة الثقافة والأدب، وتعكس صورة الأدباء والمثقفين في المشهد الثقافي، ولاحظنا في الفترة الأخيرة انتشاراً ملحوظاً للملتقيات الثقافية، فهل هي رافد للحركة الثقافية أم موضة عابرة، وما هي السلبيات؟.

لتسليط الضوء، تم استطلاع آراء مثقفين لهم دور في مجال الأدب والثقافة:

منذر عيسى، رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب بطرطوس، يقول: بعد الحرب الكونية على سورية، ومحاولة تدمير بنيتها التحتية والبشرية، وتمزيق كيانها، انتفض الشعب السوري بكافة أطيافه للتصدي لهذه المشاريع، مؤكدين أننا في سورية أول من اخترع الأبجدية وفكرة القيامة بعد الموت، ومارسنا طقوسها، بدءاً من قيامة طائر الفينيق من الرماد، وقيامة الأرض واحتفالات الربيع، وقيامة السيد المسيح، وكانت ردة الفعل عند الطبقة الواعية هي اللجوء إلى استنهاض الشعور الوطني من خلال إقامة ملتقيات ومنتديات ثقافية، تأخذ الطابع الأهلي. بدأت هذه المنتديات نشاطها باستخدام صنوف التعبير المختلفة كالشعر والنثر والرسم والنحت والأغنية، وقد انتشرت بشكل واسع. ويمكن لهذه المنتديات من خلال التركيز على المواهب الحقيقة أن تكون رافداً للحركة الثقافية في سورية، وتسهم بتنشيطها وخلق حراك ثقافي جميل، وقد برزت مواهب جيده في هذه المنتديات من إيجابياتها أنها تسطر العمل الفكري والثقافي، وهو أكثر جدوى في الحركة الفردية، وبالتأكيد فإن هذا الكم سيفرز نوعاً، فمن يملك موهبة حقيقية سيستمر ويتساقط الغث تدريجياً. ونحن في فرع طرطوس لاتحاد الكتاب العرب، التقطنا المبادرة وقمنا بتأسيس منتدى ثقافي يتبع فرع الاتحاد نواته فريق مئة كاتب من الشباب لرعاية المواهب الحقيقية بعد اكتشافها، وبدأنا بإجراء نشاطات وفعاليات لهم بعد تدقيق نصوصهم ومراجعتها، وأسسنا مكتبة أهلية في الشيخ سعد وزودناها بحوالي ألف كتاب من اتحاد الكتاب العرب. وأما السلبيات لا أرى أنها تشكل حجر عثرة وعيباً في مسار الحياة الثقافية، إلا أن استسهال الكتابة والنشر سواء أكان ورقياً، أم عبر الفضاء الأزرق، قد خلق بعض حالات التشويه والتي تسقط وتتلاشى مع الزمن.

فرحان الخطيب، شاعر وعضو اتحاد الكتاب العرب، يقول: ظاهرة الملتقيات الثقافية قديمة في سورية، وفي كافة البلدان العربية بنسب متفاوتة، ويذكر التاريخ الثقافي أن دمشق وحلب كانتا تحتويان العديد من الصالونات الأدبية، ارتادها العديد من الأدباء الذين تركوا بصمة أدبية واضحة كـ سعيد حورانية، وزكريا تامر، والماغوط. ومع إنتشار المراكز الثقافية ضعف دور المنتديات والملتقيات الأدبية، وبدأ طالبو المعرفة بالذهاب إلى هذه المراكز، وإقامة نشاطاتهم فيها ما خلا القلة القليلة، واستمر الحال فترة زمنية تجاوزت النصف قرن من الاستقلال إلى ما قبل الأزمة، حيث بدأ الكثيرون خلالها بتصدير مواقف ثقافية في ملتقيات عدة مغلفة بوجهات نظر سياسية معينة، وهنا بدأت الظواهر السلبية الثقافية تتبدى للعيان من حيث المنتج الأدبي شعراً أو قصة، أو أياً من أجناس الأدب المتعارف عليها كالقصة القصيرة جداً مثلاً، إلا أنني أنوه بأن بعض الملتقيات والتي أعرفها، بنت سلوكها على القيمة الفنية الأدبية البحتة، ولم تلتفت في تشكيلها إلى أي معطى آخر، ولم تتلون بغير لونها كملتقى القصة القصيرة جداً في السويداء لمؤسسيه د. فندي الدعبل، و أ. زياد القنطار، فقد احتفى هذا بالأدب دون أي غايات أخرى، وبرهن على منتج لنص أدبي مرموق عبر مرتاديه، وقد صدر عنه حتى الآن كتابان. أسوق هذا المثال لأقول إن الملتقيات الثقافية إذا كان نشاطها خالصاً لوجه الأدب الراقي فهي تعتبر رافداً حقيقياً للحركة الثقافية، أما إذا كانت مشوبة بأفكار أخرى فتصبح عالة على الأدب ومنبراً لأغراض أخرى كما حدث خلال الأزمة السورية، متمنياً على المراكز الثقافية والملتقيات الحقيقية أن تحتوي وتشجع كل موهبة جديدة وصاعدة باتجاه الأدب الجيد.

نهلا يونس، شاعرة وأديبة عضو اتحاد الكتاب العرب، تقول: عندما يكون الأدب أحد أشكال التعبير الإنساني عن مجمل عواطف الإنسان وأفكاره وخواطره وهواجسه بأرقى الأساليب الكتابية. ونحن إذ نرزح تحت وطأة الحرب الإرهابية على بلدنا، وبالتالي مفرزاتها السلبية لم نتنبه إلى ظاهرة تفشي الملتقيات الثقافية التي انتشرت وراء ستائر التواصل الاجتماعي المزركشة، فخرجت إلينا بألقاب ونعوت تطال أي هاوٍ وصلت حدّ المصالح الشخصية، وكل هذا تنامى وسط غياب الرقابة الثقافية. وإن كنا أكثر صراحة بوجود دعمها، أعتقد أننا في مأزق حقيقي أمام الانتفاخات المرافقة للهالة الإبداعية، ناهيك عن حفلات تقام تحت مظلات ثقافية في وضح انكفاءة الرعاة الأصليين وفي جنح إغفاءة لآخرين آثروا الصمت في زمن لم يعد للكلمة فيه مرمى مع بعض الاستثناءات الشحيحة لمواهب يمكن أن تتخذ من الأدب موضع قلم يوماً ما.

عبد الكريم اللامي، شاعر ومؤسس ملتقى دوحة الشعراء، يقول: الملتقيات الأدبية بشكل عام هي حركة نهضوية تسعى لتنمية المواهب الأدبية، أما السلبيات فتضيع في غمرة الإيجابيات، ورؤساء الملتقيات قد تكون أغراضهم بسبب الشهرة أو للاستفادة المادية، كما لاحظت رؤساء ثلاثة ملتقيات، ومع ذلك أعتقد أنها مفيدة لجذب أصحاب المواهب، وتنمي مواهبهم، وأنا شخصياً أرى أن الملتقيات هي مشروع تكريمي فقط لأجل الشعراء الموهوبين والاهتمام بهم وتطوير مستواهم والتشجيع.

    هويدا محمد مصطفى