التسلل المالي للمنظمات الدولية وواقع “شراء الخدمات”
عناية ناصر
أكد كيشور محبوباني، دبلوماسي سابق من سنغافورة، أن المنظمات متعدّدة الأطراف، والتي تتمتع بسلطة كبيرة في مجالات تخصّصها، تواجه تهديدات وتحديات من جراء استخدام الدول المتقدمة الممنهج للأموال للتسلل والسيطرة، ومنظمة الصحة العالمية كمثال على ذلك.
وضع محبوباني ثلاثة أساليب لهذا التسلل:
- أولاً- حرم الغرب منظمة الصحة العالمية من تمويل إلزامي موثوق وطويل الأجل.
- ثانياً- التركيز على الطب الحيوي، مع تركيزه على السلوك الفردي، بدلاً من الطب الاجتماعي.
- ثالثاً- تخفيف دور منظمة الصحة العالمية وتفضيل مؤسسات مثل البنك الدولي التي يسيطر عليها الغرب.
وبعبارة أخرى، يضع النهج في التقليل المتعمّد لأساليب التمويل الإلزامية، مثل رسوم العضوية، المنظمات الدولية في موقف محرج يتمثل في افتقارها إلى الأموال اللازمة التي يمكن التصرف فيها لاتخاذ إجراءات مستقلة. وبعد ذلك، يُسمح لمختلف أصحاب المصلحة، ولاسيما من البلدان المتقدمة، بتقديم الأموال من خلال “التبرعات الطوعية” بشروط صريحة أو ضمنية، مما يخلق فعلياً واقع “شراء الخدمات” ويضمن أن تصبح المنظمات الدولية ذات الصلة “دمى” تتحكم فيها مصادر تمويل محددة.
ممارسات اليابان في هذا الصدد منهجية وبارزة نسبياً، فمن ناحية كانت اليابان منذ فترة طويلة تركز على إيصال الأفراد إلى المناصب الرئيسية في المنظمات الدولية والسيطرة عليهم من خلال التسلل. ومن ناحية أخرى، لدى اليابان طريقة أكثر نضجاً ومنهجية لتقديم الأموال. في الآونة الأخيرة، أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريراً حول خطة تفريغ المياه العادمة الملوثة بالأسلحة النووية من كارثة فوكوشيما النووية في اليابان، مشيرةً إلى أن خطة اليابان لإلقاء المياه في المحيط تتفق مع معايير الأمان الدولية.
ومع ذلك، كشفت اثنتان من وسائل الإعلام الكورية الجنوبية أن الجانب الياباني قد أثر على كتابة التقرير من خلال تزويد الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالدعم المالي وزعم الكشف أن الحكومة اليابانية قدمت للوكالة الدولية للطاقة الذرية مليون يورو على الأقل للحصول على مسودة التقرير النهائي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وطالبت بتنقيح الأجزاء الحساسة قبل أن يتمّ تسليمها رسمياً. لكن من منظور عالمي، يفرض انتشار مثل هذه التدابير تحديات وتهديدات جديدة للأمن والاستقرار والتنمية على الصعيد العالمي.
منذ نهاية الحرب الباردة، تتطلب قضايا الحوكمة العالمية التي جذبت اهتمام جميع الأطراف بشكل متزايد أن تشارك المنظمات الدولية في التنسيق والاتصال الفعالين من وجهة نظر موضوعية وغير متحيزة نسبياً، لأن مصداقية المنظمات الدولية من حيث الإنصاف والامتثال الإجرائي لها أهمية حيوية في تعزيز تنفيذ حلول الحوكمة العالمية، لكن من الواضح أن المنظمات الدولية التي تقع ضحية للفساد لن تفقد سمعتها فحسب، بل ستفقد أيضاً مكانتها المهمة في عملية الحوكمة العالمية.
الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي منظمة دولية من المفترض أن تعمل من أجل الاستخدامات الآمنة والسلمية للعلوم والتكنولوجيا النووية، والمساهمة في السلم والأمن الدوليين. لذلك، يجب أن تقف بحزم على أرض الواقع وتقدم تقييمات وخطط مسؤولة من منظور مجتمع المستقبل المشترك للبشرية بناءً على العلم الحقيقي، بدلاً من العلم الزائف المتأثر بالعوامل النقدية المختلفة.
من المؤسف أن الوكالة تبدو غير كافية لتلبية مطالب البشرية من أجل حياة آمنة ومستقرة ومستدامة، لأنه في سياق مواجهة قرار اليابان التخلص من مياه الصرف الصحي الملوثة بالأسلحة النووية، فإنها تفتقر إلى المسؤولية والعمل، وهو أمر مخيّب للآمال بشكل واضح.
ومن أجل التحرك بشكل حقيقي وفعلي نحو هدف إنشاء والحفاظ على مصير مشترك للبشرية، لا ينبغي وضع الآمال فقط في البلدان المتقدمة الغربية المتمركزة حول الذات، بل يجب على القوى الناشئة والبلدان التي تواجه مخاطر وتحديات مشتركة أن تتخذ إجراءات أكثر فاعلية معاً، ويجب تعزيز الإصلاحات الأكثر فعالية لهذه المنظمات الدولية على المستوى العالمي، وإعادة عملياتها إلى المسار الصحيح للتركيز على مصالح ومصير ورفاهية البشرية جمعاء، وعندها فقط يمكن إدخال المزيد من العوامل الإيجابية والبنّاءة في هذا العالم الذي يواجه العديد من أوجه عدم اليقين والمخاطر والتحديات.