باحثة اقتصادية: خيار التعويم لا يمكن أن ينجح في سورية
دمشق- مادلين جليس
على الرغم من تعدّد أسعار الصرف (الدولار الجمركي، دولار الحوالات، دولار البدلات..) التي يصدرها مصرف سورية المركزي، وعلى الرغم من أن نظام الصرف الرسمي هو نظام سعر صرف ثابت، إلا أنه وكما ترى الباحثة الاقتصادية الدكتورة رشا سيروب نظام سعر “صرف حر” غير معلن، حيث إن العقارات والسيارات والذهب والمعاملات التجارية يتمّ تقييمها وتسعيرها على أرض الواقع وفقاً لسعر الصرف المتداول في السوق السوداء الخاضع للعرض والطلب,
وتشير سيروب إلى أن هذا الأمر ليس بجديد، فقد بُدئ العمل به منذ بداية الحرب في سورية، عندما أصبح الدولار يُقتنى ليس فقط كوسيلة لتسوية المعاملات الاقتصادية الكبيرة “سرّاً”، بل للادخار أيضاً، نتيجة لتدهور قيمة الليرة السورية مقابل كافة العملات والمعادن الثمينة والأصول والممتلكات.
متطلبات ومحاذير
وأكدت سيروب أن تعويم سعر الصرف لا يمكن أن ينجح في سورية، من حيث أنه نظام يناسب الاقتصاديات القوية، وله متطلبات غير متوافرة لدى الاقتصاد السوري الذي أرهقته الحرب، وأن أي تفكير بتعويم الليرة السورية هو تفكير خاطئ يهدّد الأمن القومي وسيؤدي -في حال تنفيذه- إلى تسريع حركة هبوط الاقتصاد نحو مزيد من الهاوية. كما أن تعويم العملة المحلية بحاجة إلى متطلبات، لا يمكن تلبيتها -كما ترى سيروب- في ظل الواقع الاقتصادي المأزوم الذي تعيشه سورية، من هذه المتطلبات وجود وفرة في الاحتياطي الدولي (القطع الأجنبي) حتى يكون المصرف المركزي قادراً على التدخل كبائع للعملات الأجنبية (ضخ حاجة السوق من القطع الأجنبي) عند انفلات سعر صرف الليرة السورية.
وتضيف الباحثة الاقتصادية أن التعويم يتطلب اقتصاداً قوياً قادراً على تعزيز الاحتياطي الدولي بشكل مستدام، أي اقتصاد يتمتّع بقطاع تصديري قوي، وقادر على تلبية حاجات المواطنين من السلع والخدمات من الإنتاج المحلي وليس عبر الاستيراد، وهو ما يفتقده الاقتصاد السوري في هذه المرحلة، حيث تحول الميزان التجاري للسلع والخدمات إلى قيم سالبة وصلت إلى ما يقارب 50% من مجمل الناتج المحلي الإجمالي في العام 2021، لذلك فإن سورية ليست في ظرف يخوّلها تعويم الليرة، فالوقت غير ملائم لتحرير سعر الصرف، ما يشير إلى استبعاد خيار تعويم الليرة السورية حتى كفكرة.
وتختم سيروب أنه لا يمكن اللجوء إلى خيار التعويم، إذ لا تمتلك سورية سيولة دولارية كافية لمواجهة المضاربة على الليرة السورية، وحتى لو استطاع المصرف المركزي التدخل، فسيكون تدخلاً مؤقتاً ذا منعكس بسيط وقصير جداً، إذ لا يوجد إمكانية لاحقة لترميم الاحتياطي النقدي الذي تمّ استنزافه في حال التدخل، وبالتالي عدم القدرة على الحفاظ على سعر صرف الليرة السورية على الأمد الطويل، وهو برأيها ما يعيدنا إلى نقطة البداية مرة أخرى مع مزيد من انهيار سعر صرف الليرة السورية، الذي سيقود إلى حالة من عدم الاستقرار في أسعار السلع وارتفاع تكاليف الإنتاج والمستوردات التي ستنعكس على القدرة الشرائية للمستهلك، وخاصة الفئات الفقيرة والأكثر هشاشة، ومن ثم مزيد من تعميق الأزمة للمشهد الاقتصادي.