علم “إدارة المخاطر” يدعم خطوات المشاريع الريادية ويحولها إلى واقع
دمشق – ميادة حسن
لم يعد هناك أدنى شك بان الأعمال الريادية والمشاريع الفردية لها بعد اقتصادي هام في الاستدامة والتنمية؛ فاقتصاد العالم يتحرك نحو هذا الاتجاه منذ زمن، وما يميز هذه المرحلة هو التوجه العالمي الحالي للتطبيقات الالكترونية واعتماد تكنلوجيا المعلومات كمشغل أساسي لتلك الأعمال الريادية، لكن مهما اختلف نوع العمل الريادي فانه لا يرى النور إلاَّ إذا لقي الدعم المادي والتمويل الكامل له، وهنا فعليا تكمن الصعوبة في أعمالنا الريادية المحلية حيث لا يوجد ثقافة لدى مؤسساتنا التجارية أو غرفنا الصناعية والزراعية، تمكنها من تتبنِّي المشروع الريادي وتمويله، فعقلية التاجر المحلي على الأغلب لا تتقبل الفكرة لأنها بالنسبة له مجازفة برأس المال ومضيعة للوقت والجهد، وإذا نظرنا بشكل واقعي لظروف الأعمال الريادة في بلدنا نجد بأن الاهتمام بها خجول جدا ولا يتجاوز التشجيع والتحفيز النظري طالما الموضوع خارج إطار “الدعم المالي”، بمعنى أنه لا يوجد جهات يمكن أن تتبنى تلك المشاريع لإخراجها للنور.
أسلوب علمي
بعض البنوك الخاصة ومن خلال تعاونها مع مؤسسات مالية خاصة وعامة قدمت عروضا لدعم تلك المشاريع الريادية عبر قروض محددة، ورغم أهمية هذه الخطوة والمبادرة إلاَّ أنها تبدو ضعيفة أمام التحديات التي نعاني منها نتيجة الحصار وتذبذب الأسعار والعقوبات الاقتصادية، وفي هذا السياق تتحدث الباحثة الاقتصادية نور اللبابيدي لـ “البعث” عن أهمية نشر فكر إدارة المخاطر للمشاريع الريادية وتقديم المعلومات للرياديين الجدد حول كيفية حماية مشاريعهم من الوقوع بالفشل والخسارة عبر دورات وورش عمل تمكنهم من الاحتراز من المخاطر التي تهدد مشاريعهم، ليس ذلك فقط وإنما الحفاظ على رأس المال وعدم هدره دون جدوى، ودراسة كل العقبات التي يمكن أن تواجه المشروع وإيجاد الحلول المناسبة لكل مرحلة خطرة يمر بها.
وتضيف لبابيدي، لا يمكن إنكار اهتمام الحكومة السورية مؤخرا بعلم اقتصاد المخاطر وأهمها المخاطر التشغيلية التي تعتبر الأكثر ارتفاعا لدينا حيث صادفتها عدة شركات، لذلك يتم تحذير المشروعات الريادية منذ نشأتها لهذه المخاطر، وبحكم أنها ناشئة ستكون غير قادرة على حماية نفسها، وهنا لابد من التوعية ونشر مفهوم المخاطرة وكيفية التعامل معه وإدارته والوصول إلى التصدي لهذا المخاطر وفي حال لم نستطع مواجهته بنسبة 100%، فعلى الأقل يمكن تخفيفه إذ من الحكمة اتباع التعرف على اقتصاد “علم المخاطر” في ظل ظروف الحرب والأزمات والكوارث الطبيعية وتقلبات الأسعار وغيرها.
وتؤكد لبابيدي أن الأعمال الريادية يكون الخطر فيها عالي لأن الخبرة لدى صاحب المشروع تكون في بدايتها وأيضا يكون المشروع غير قادر على التصدي للمشكلات المستجدة لديه بالشكل المطلوب بسبب ضعف الموارد المادية، وهنا لا بد لصاحب المشروع من المحافظة على هذه الموارد واستغلالها استغلال كامل وأدارتها بكفاءة للنضوج بهذه الفكرة، مبينة أنه ورغم كل الظروف والمعوقات لدينا مشاريع ريادية وبلدنا ولادة ونحن بحاجة لدعم الأفكار وخاصة تلك التي تتعلق بالتكنولوجيا والمعلوماتية وصناعة المحتوى عبر إنشاء تطبيقات مختلفة، فهي من شانها تنمية الاقتصاد ودعم كل الأشخاص الذين يحتاجون إلى تطبيق الكتروني يساعدهم في عملهم واستمرار إنتاجهم.
نماذج ريادية
في التوجه نحو العقول الشابة ومتابعة الأفكار الريادية، التقت “البعث” روان بسام جاسم مهندسة تطبيقية تقنيات حاسوب، فتحدثت عن مشروعها الريادي وهو عبارة عن تطبيق الزراعة الذكية يخدم الزراعة الحقلية والمنزلية باستخدام تكنولوجيا متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي لكشف الآفات والأمراض عبر تصوير النبتة وتحليل المرض المصابة به ودراسة أعراضه والأدوية الخاصة به ومكافحته، بالإضافة إلى تخطيط الحقل واكتشاف ما يمكن زراعته فيه عبر قياس مساحة الأرض وتخطيط منظومة الري المستخدمة في الحقل، وتحديد منظومة الطاقة وكمية الألواح المطلوبة التي تلبي حاجات الحقل، وبالتالي تنظيم العمل للحصول عل محصول جيد بالإضافة إلى توقع حالة الطقس ورطوبة الأرض والجو، وهذه المعلومات الدقيقة للحصول على محصول جيد، أما مياس الآغا فلديه مشروع متجر الكتروني يقدم عدة خدمات منها إيجاد فرص عمل عبر التطبيق تتناسب مع مهارات وخبرات كل شخص، وتقديم خدمات البيع المباشر للمستهلك.
مبادرات أهلية
بعض المؤسسات ساهمت لوجستيا في دعم المشاريع الريادية وقدمت ورشات عمل ومحاضرات توعوية لأصحاب هذه المشاريع بالإضافة للملتقيات المتكررة معهم والتعرف على كل جديد، وفي ها المضمار قالت رئيس مجلس أمناء مؤسسة صناع الريادة ريم شيخ حمدان لـ”البعث”: نسعى لخلق بيئة داعمة للشباب ولأصحاب الأفكار الذكية والريادية لتكون كاسرة للحصار ومشجعة لبقاء الكفاءات العالية للاستثمار في السوق السوري وذلك عبر الدعم التدريبي والاستشاري والفني وتحويل الأفكار إلى مشاريع تنموية إنتاجية، كاشفة عن أنه قد أصبح لديهم بنك صغير من الأفكار، بعد أن وجدوا أن الشباب مهتمين بالتوجه نحو التكنولوجيا، حيث أجرت المؤسسة مسابقات للتطبيقات الذكية عبر ثلاث لجان: لجنة فرز الأفكار ولجان تخصصية ولجنة تحديد الأفكار الفائزة، ومن خلال هذه اللجان يتم تحديد الفائزين بالمشروع الريادي وتقديم جوائز مادية بقيمة 15 مليون ليرة سورية و10 مليون و5 مليون، وهذه الجوائز ستضاف لرأسمال المشروع للعمل مع رائد الأعمال لتحويل الفكرة إلى مشروع ريادي، وبالإضافة إلى مسابقة التطبيقات الذكية وهي تتضمن العديد من المسابقات التخصصية التي يشارك فيها شباب من أصحاب مشاريع تخرج ورسائل الماجستير والدكتورة، يشرف على أفكارهم دكاترة الجامعات واللجان التخصصية وتجار وصناعيين وزراعيين، مؤكدة أن مؤسسة صناعة الريادة ساعدت العديد من الشباب لتحويل أفكارهم إلى مشاريع مكتوبة ورقيا ونقلها من فكرة مجردة إلى مشروع له اسم وهوية بصرية مع العمل لإنضاج شخصية رائد الأعمال وتوعيته للقوانين والأنظمة للتطبيقات الذكية في السوق السورية، وزج الرواد في معارض تخصصية لعرض أفكارهم أمام المستثمرين.
بكلمة
وأخيرا علينا الاعتراف بأنه ينقصنا التاجر المتعلم القوي الذي يستطيع قراءة المشاريع الرائدة والاستفادة منها وتغذيتها، بعيداً عن الخوف غير المبرر خاصة وأن هناك آلية لإدارة مخاطر أي مشروع يتم إنجازه.