اقتصادصحيفة البعث

تناقض السياسات الاقتصادية الحكومية مع المهام المنوطة بها

عبد اللطيف شعبان

من المفترض أن يكون من مهام الحكومة حماية المستهلك وتنمية رفاهيته، خاصة وأنه توجد وزارة من وزاراتها تحمل هذا الاسم (وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك)، وأيضاً من المفترض أن يكون من مهام الحكومة حماية المنتج وتنمية الإنتاج، إذ أن عدة وزارات من وزاراتها معنية بذلك (وزارة الزراعة، وزارة الصناعة، وزارة الاقتصاد..)، ووزارات حكومية أخرى معنية بجانبي الاستهلاك والإنتاج معاً (وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وزارة التربية، وزارة الكهرباء، وزارة الموارد المائية، وزارة الاتصالات..)، ومهام جميع الوزارات الأخرى تشترك في خدمة المواطن مستهلكاً ومنتجاً في جوانب متعدّدة ومتنوعة، وبنسب تتباين بين زمان ومكان، ما يجعل من المستوجب أن يكون عمل جميع الوزارات متطابقاً مع المهام المنوطة بها، باتجاه ما يحقّق تحسيناً متتابعاً في تحسين المستوى المعيشي والخدمي للمواطن، وتأمين كل ما من شأنه أن يدعم الإنتاج بأنواعه الزراعي والحيواني والحرفي والصناعي، بما يحقق أكبر كمية إنتاج وبأفضل نوعية من مئات السلع المحلية التي يحتاجها المستهلك، كما عليها تأمين ما يحتاجه المنتج من مدخلات في زراعته وصناعته لتغطية حاجة السوق المحلية، وتمكينه من إنتاج ما يفيض عن ذلك لغاية تصديره للخارج؛ والسياسة الحكومية أيضاً معنية باعتماد مهام وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، المعنية بتمكين مؤسسات التجارة الخارجية الحكومية والتجار من تصدير مدروس لفائض إنتاجنا المحلي من كافة السلع، واستيراد مدروس لجميع السلع الاستهلاكية ومدخلات الإنتاج وآلياته ومعداته بالكميات المطلوبة وبالنوعية الممتازة في ضوء الحاجة والإمكانية، شريطة منع حصرية الاستيراد والتصدير، مع ضرورة الاقتران برقابة على الاستيراد والتصدير مكللة بالتوجيه والإرشاد والتصويب.

وعليه طالما أن مهام الحكومة محدّدة في أنظمتها الداخلية وبالتشريعات والقوانين الناظمة لعملها في ضوء هذه المهام، فمن المستوجب عليها (مجتمعة كرئاسة مجلس وزراء، ومنفردة كوزارات وإدارات عامة) أن تقوم باستثمار الإمكانات المتاحة لتنفيذ كامل مهامها، لما فيه مصلحة المستهلك والمنتج معاً، بل والمبادرة بتنفيذ ما يزيد عن ذلك.

إلا أن المواطن المراقب لواقع الحال يرى تدنياً متتابعاً في أداء الحكومات المتعاقبة لواجباتها تجاه المستهلكين منذ سنوات، فغالباً – بل يكاد يكون دائماً – ما أسفرت سياستها الاقتصادية عن أن يكون غد المواطن أسوأ من أمسه، خلافاً للوعود والآمال. فلسنوات خلت والأسعار تتصاعد بتسارع، ولم تستطع الحكومة اعتماد سياسة تسعيرية واضحة، والمواطن مطالب بالرقابة الشعبية!! ولعدة سنوات كان يُباع خبز الأفران الخاصة بضعف السعر الرسمي، ولا تزال هذه الأفران الخاصة تنتج خبزاً ناقص الوزن بكمية ملحوظة، ومحطات الوقود تعطي كمية أقل من تأشيرة العداد النظرية، ولم تعمل الحكومة لمحاسبة أصحاب الأفران ومحطات الوقود الذين يمارسون المخالفة بحجة ضعف أسعار موادهم قياساً بالكلفة! والحكومة متردّدة في قرار زيادة الرواتب، علماً أن هذه الزيادة المرتقبة مأكولة بمعظمها قبل حدوثها كالمعتاد وسيؤكل باقيها عقب حدوثها.

وسبق أن ألغت الحكومة البطاقة التموينية التي كان معمول بها سابقاً دون سابق إعلام للمستهلك، والبطاقة الذكية الجديدة أعطت المستهلك مواد مقننة كل شهر لفترة قليلة، ومن ثم انحدر الزمن إلى مرة كل شهرين أو ثلاثة والآن مضى قرابة نصف سنة ولم يتمّ تفعيلها، بل ارتفع سعر كيلو الحرّ من المواد المقننة أضعافاً مضاعفة، وأيضاً يتضح تردي دور وزارة التربية المتمثل في إنتاج مناهج مدرسية تحتاج لمدارس ومدرسين خارج قاعاتها، وكتب شروحات،  تكلف أسر الطلاب مئات الآلاف من الليرات كل عام، وكثير من الإدارات المدرسية تشكو من نقص متطلباتها، عدا عن ممارسات أخرى عديدة من أكثر من جهة حكومية تضعف المستهلك بالتتابع، والخشية من تصاعد التردي في مجالات خدمية أخرى على رأسها الصحة، فارتفاع أسعار الأدوية وأجور الأطباء والعمليات الجراحية في المشافي العامة والخاصة، وحليب الأطفال أرهق الأسر المحدودة الدخل.

أما التردي في دعم المنتج فكبير وخطير ويظهر ذلك في الزراعة، فالحكومة رفعت شعار “زرع كل شبر أرض”، ولكنها لم تمارس ما يمكِّن من ذلك، إذ رفعت أسعار السماد مئات المرات وقنّنت توفيره، وخفضت المحروقات المخصّصة للزراعة وأحجمت عن تسويق الكثير من المنتجات الزراعية، ومنها الحمضيات وزيت الزيتون والذرة الصفراء وأضرت كثيراً بالثروة الحيوانية وتربية الدواجن جراء الرفع المتتابع لأسعار الأعلاف ما تسبّب في ارتفاع متتابع في أسعار جميع المنتجات الزراعية والحيوانية، الأمر الذي أدى إلى تراجع المساحات المزروعة وأعداد الثروة الحيوانية، وملاحظ الإحجام عن بعض الزراعات – الزراعات المحمية مثلاً – ناهيك عن تدني سعر القمح غير المشجع للمزارعين هذا العام، كما يلاحظ العزوف عن تربية الدواجن والثروة الحيوانية، نتيجة لما لقيه المربون من معاناة من واقع الأعلاف، ولا يخفى على أحد تردي دور وزارة الكهرباء الذي يقتصر على تأمين ساعة كهرباء وربما أقل كل خمس ساعات وأكثر، ما يضرّ بالمستهلك والمنتج معاً!

إن سياسة الحكومة الاقتصادية والاجتماعية لا تتوافق مع المهام المنوطة بها حسب الأنظمة الداخلية، وقد يكون من الجائز القول، السياسة الاقتصادية للحكومة ليست فاشلة بل ناجحة في محاصرة المستهلك والتضييق على المنتج!!.

عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية