ثقافةصحيفة البعث

الفنون والمراهقة في الأدب والفن التشكيلي

لا تزال فكرة أدب المراهقة قيد الدراسة والتمحيص في كثير من الدول العربية، حيث من السائد طرح الأدب على المراهق بمفهوم تربوي وأدبي وبمسميات مختلفة كأدب الفتيان أو أدب الشباب لأن أدب المراهقة ما زال غامضاً، وهو مصطلح لم يستقر من حيث مفهومه ومعناه، لكن فكرة التماس هذا المفهوم وتقريبه من الناس كمصطلح له دلالته خطوة جيدة أقدم عليها أ. غسان قنديل من خلال كتابه “الفنون والمراهقة في الأدب والفن التشكيلي” الصادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، وفيه سلَّط الضوء على جانبين مهمّين من حياة المراهق: الإبداع الأدبي والإبداع التشكيلي لدورهما في تنمية التفكير في ظل عدم الاهتمام بهذه الشريحة المبدعة وعدم الاعتراف بإنتاجاتها الفنية والفكرية، موضحاً في مقدمة الكتاب أن اهتمامه بفن المراهقة يعود إلى تسعينيات القرن الماضي بعد أن كوّن لديه ومن خلال التدريس مجموعة مقومات تركت أثراً في كتابة بعض البحوث التي تتعلق بهذه المرحلة، وأن بذرة الكتاب بحث أنجزه وشارك فيه في مسابقة نقابة المعلمين المركزية، وفوزه بالمرتبة الثانية دفعه إلى التوسع فيه، مستفيداً من الملاحظات التي استنتجها خلال البحث، وكذلك الملاحظات المقدّمة من بعض الباحثين والأساتذة مما خلق لديه فضاءً تحرك من خلاله وحمّله أفكاره، متمنياً أن تشكل محاولته حقلاً آخر للبحث لأن مجالات الفن متعددة ومتنوعة، خاصةً وأنه في هذا الكتاب لم يتطرق إلى باقي الفنون كالمسرح والموسيقا والسينما لأنها تحتاج إلى المختصين والعارفين في هذه المجالات، وإلى التجسيد العملي والتطبيقي.

أدب المراهقة من الواقعية إلى التجريد

رأى غسان قنديل في كتابه أنه كثيراً ما تتداخل في أدب المراهق الأفكار وتكشف عن حكايات تؤكد أن الدوافع الحقيقية وراء سلوك العديد من المراهقين تعود في حقيقتها إلى عوامل أو ظروف لا تتطابق مع ما يروّجه الكبار اتجاههم، وأن العديد من سلوكيات المراهقين تكون بهدف الإثارة والانتباه: “أنا هنا، أنا موجود، لي الحق”، وأن كل هذا جعل قنديل يبحث عن القصدية وراء الإنتاج الكبير والمهمّ لهم من خلال عيّنة البحث التي اعتمد عليها للوصول إلى النتائج المترقبة بعد أن قسمها إلى عدة أقسام كالمراهقة المبكرة- مرحلة التعليم الأساسي، حيث بيّن أن عيّنة البحث تحاول في هده المرحلة تسجيل الواقعية التي تعوق تحقيق القيم الأدبية في إنتاجهم، مع جمعهم بين أجناس متعدّدة: القصة، الخاطرة، الشعر، وهو الأكثر حضوراً في هذه المرحلة، في حين يتجه المراهق في مرحلة المراهقة الوسطى إلى التجريد قليلاً.

ورأى قنديل أن الإغراق في التجريد يصل بالمراهق إلى الخمول، لتبقى القوة الدافعة والطاقة كامنة إلى حين، وبعدها يمكن ببساطة اكتشافها ورعايتها، وهي قد تنقص أو تزيد بعد عدة سنوات، وهذا مرهون بالظروف، مشيراً إلى أن مرحلة المراهقة المتأخرة تتميّز بحبّ الفتيان لبعض الموضوعات، وهم يهتمون بالمهارة وانتخاب الوسيلة، ويتجهون في ذلك اتجاهات شخصية. وأوضح قنديل أن الطاقة الأدبية الدفاقة هي في الأصل دعوة للتصالح مع الذات، والأكثر جرأة من بين المراهقين هو الذي يبوح بما يتصوره، حيث يحقق المراهق في هذه المرحلة القدرة الخاصة التي يجب التعرف عليها وتوجيهها وتغذيتها بما يناسبها لتصبح ميولاً حقيقية دائمة لا ميولاً عارضة مؤقتة لأن الميل الدائم له أثره في حياة الفرد ومستقبله، فهو نابع منه، بعكس العارض المؤقت الذي يتبدل، مع تأكيد الكاتب على دور البيئة في إظهار مواهب الأطفال، فالبيئة غير الملائمة تضيع الفرص على الطفل لإظهار مواهبه، حيث لا بدّ من بيئة طبية تحيط بوراثة مقبولة كي تثمر رجلاً أو امرأة لديهما موهبة.

الفن التشكيلي أحد الركائز عند المتفوقين

ساهم الفن بكل أشكاله -كما جاء في الكتاب- في تعزيز التفوق لدى الطالب واستمراريته، وترفع كلماتُ الإعجاب من معنوياته، وتكون البلسم لجراحاته النفسية التي يشعر بها بسبب عدم رضاه عما تمّ إنجازه، منوهاً بأنه لاحظ من خلال تجربته أن الفن التشكيلي يؤدي دوراً مهماً في بناء الشخصية، ويحقق التوازن النفسي الذي يعمّق جذوره في شخصية متكاملة، ويرفع العقل إلى مستوى معرفي نبيل وعالٍ وواعٍ، مبيناً أن الملاحظات التي برزت خلال دراسة العيّنة من المراهقين وفي الإبداع التخييلي حصراً هي استخدامهم الرمز بشكل كبير، ولديهم القدرة على التعبير عن أفكارهم بشكل يلحظ المرء ما يتسمون به بعدم الخوف من الأشياء المجهولة والغامضة، وأن الإبداع هو جانب لا يتجزأ من السيرة الذاتية للمبدع وتحقيق شخصيته، كما أن الشخصية المبدعة لا تنشط ولا تتحرك في فراغ، فهي تتابع تقليداً محدداً وتستوعب بشكل عميق منجزات عصرها، وتمتلك الأساليب الرئيسية للتفكير والاتصال، وتطمح إلى تحقيق الذات بشكل رئيسي، كما تتمتع بذكاء مميز، دون أن ينسى قنديل الدور الذي يلعبه المربي في تعزيز هذه الميزات، ولاسيما دافع تحقيق الذات لأنه يعني رغبة المرء في تحسين ذاته، ويعني أيضاً أن يكون المرء قادراً على جعل ما هو ممكن لديه فعلياً ومتحققاً.. إنه الوصول إلى ذروة إمكانيات الفرد، فالمؤلف الموسيقي لا بد أن يؤلف الموسيقا، والمصوّر لا بد أن يرسم، والشاعر لا بد أن يكتب.. والأمثلة المطروحة تأكيد على ذلك، ولاسيما أن المراهق صاحب ذات متقلبة أحياناً، ولكن بشكل تبقى الذات لديه واضحة حين تتعلق بمستويات الإبداع، وهذا بحدّ ذاته دعم لشخصية المراهق على مدى الحياة، وهو دليل على حيويته وعلى الزاد المعرفي المكتسب لديه، حيث يتميّز المراهقون الموهوبون -كما بيّنت بعض الدراسات- بالمبادرة الاستقلالية من ناحية، ومقاومة الامتثال المدرسي والاجتماعي من ناحية ثانية، مع امتلاك مركز ضبط داخلي يجعل مرجعيتهم في اتخاذ القرار ذاتية، وهم يتمكنون من التقدير المعرفي للمواقف في سنّ مبكرة مما يجعل فضولهم أكبر بكثير، ويدفع بهم إلى الإلحاح على طلب إجابات تفسيرية مقنعة لهم.

غسان قنديل

عضو اتحاد الفنانين التشكيليين، منظّم ومعدّ أكثر من مئة معرض فني لفنانين وطلاب، ومنظم احتفالية الطفل (مسابقات، معرض) 1990.

حائز على ست جوائز عربية ومحلية في القصة والدراسات والبحوث الفكرية التربوية والنفسية، شارك في عدة ندوات عن فنون الأطفال، وأقام خمسة معارض إفرادية، وله ثلاث مجموعات قصصية وكتاب “فنون الأطفال ضرورة تربوية ونفسية”.

أمينة عباس