مجلة البعث الأسبوعية

ماذا يحصـــل للعمـــلات الوطنيـــة أثنـــــــــــاء الحـــــــــــــرب ؟

 د. مهدي دخل الله

تنعكس الأزمة الاقتصادية قبل كل شيء على سعر صرف العملة الوطنية ، وذلك لأن النقود تتمتع بطبيعة مستقلة لأنها ترسم ملامح الوضع الاقتصادي الداخلي كما تعكس علاقة هذا الاقتصاد بالاقتصادات الخارجية ..

الطبيعة المستقلة للنقد ظاهرة موضوعية فوق إرادة القائمين على إدارة الاقتصاد ، فهي معيار للوضع الاقتصادي الذي يكون في ظروف الأزمة منهاراً أو شبه منهار . أما إذا كانت الأزمة نتيجة حرب شديدة فإن الأمور تتدهور بشكل منقطع النظير .

المحلل الاقتصادي الشهير جون غالبرايت وصف في كتابه المعروف ( حول تاريخ الفكر الاقتصادي ) مظاهر استقلالية النقد وأثر الحروب على سعر صرف العملة الوطنية . وقد استعرض غالبرايت في كتابه المذكور سعر صرف العملة الامريكية مؤكداً انهيارها في ثلاثة حروب خاضتها الولايات المتحدة في تاريخها الحديث :

التجربة الأولى كانت حرب التحرير الأمريكية ( 1775 – 1783 ) حيث قامت الحكومة بطبع نقود ورقية لا قيمة لها تقريباً تحت أسم ( كونتننتال ) لتغطية نفقات الحرب ، وكان على الأمريكي أن يحمل كيساً كبيراً من النقود لشراء بضاعة عادية ..

التجربة الثانية هي حرب التوحيد الأمريكية ( 1861 – 1865 ) حيث طبعت الحكومة ورقة نقدية ذات قيمة ضعيفة جداً أسمها ( غرين باك ) . أما في حرب فيتنام ( 1960 – 1974 ) فقد خسر الدولار من قيمته حوالي 400% مما أضعف القوة الشرائية للدولار بشكل كبير .

في منطقتنا دارت ثلاثة حروب اساسية في الفترة من عام 1980 حتى اليوم ، هي الحرب اللبنانية والحرب العراقية والحرب على سورية التي مازالت مستمرة . بالنسبة للبنان ، كان سعر صرف الليرة بالدولار والعملات الأخرى 3 ليرات لبنانية للدولار . السعر اليوم 90 ألف للدولار الواحد ، أي أن سعر العملة اللبنانية هبط 30 ألف ضعف .

بالنسبة للعراق ، كان سعر صرف الدينار تجاه العملات الأخرى في الثمانينات 3 دولارات لكل دينار . اليوم الدولار يساوي 1500 دينار ، أي أن العملة العراقية تراجعت 4500 ضعفاً . أما سورية فقد كان سعر صرف الليرة تجاه العملات الأخرى ، نهاية السبعينات ، 4 ليرات لكل دولار . أصبح اليوم 12000 ليرة ، أي أن التراجع بلغ 3 آلاف ضعف ، وهو أقل سوءاً من حالتي لبنان والعراق .

mahdidakhlala@gmail.com