محور تركيا وقطر.. إصرار على الفوضى
د.معن منيف سليمان
يصرّ محور تركيا وقطر على نشر الفوضى والاضطرابات بأدوات الإسلام السياسي التي تمثّلها الجماعات المتطرفة الإرهابية في محاولة من هذا المحور شغل دور على الساحتين الإقليمية والدولية. إن هذه العلاقة أثّرت وستظل تؤثّر بعمق على تطور أو اضطراب العلاقات الدولية في منطقة واسعة تتجاوز الحدود التقليدية للشرق الأوسط الجيوسياسي، وتمتدّ من ليبيا إلى القوقاز، مروراً بقبرص وحوض شرق المتوسط. ووفقاً لهذه الاستراتيجية يتحرّك الثنائي في المنطقة لنشر الفوضى وتنفيذ مخطّطات عبثية وأجندات مشبوهة.
قيام وتوطد العلاقات بين تركيا وقطر في العقد الماضي كان له تاريخان مرجعيان، تحدّد فيهما بناء التفاهمات بين العاصمتين للوصول إلى بناء محور ضدّ من يرفض سياساتهما الخارجية، وقد بدأ ذلك في شهر كانون الأول 2010 مع اندلاع شرارة الأحداث في تونس ضدّ حكم الرئيس زين العابدين بن علي، والثاني كان في حزيران 2017 مع المقاطعة الخليجية.
فبعد الاضطرابات في تونس على موجة الاحتجاجات ضدّ ارتفاع تكاليف المعيشة ومن أجل المزيد من الديمقراطية، وبفعل استراتيجية المعلومات المتواصلة والتضليل الإعلامي لمحطة الجزيرة المملوكة للدوحة، انتشرت الاحتجاجات بسرعة إلى ليبيا ومصر وسورية واليمن منتجة فوضى لا تزال آثارها مستمرّة إلى اليوم.
وبدأ ما يسمّى بـ”الربيع العربي” وكانت قناة الجزيرة هي التي ألهبت الساحات والعقول في البلدان العربية، داعية إلى التمرّد، وغرس فكرة في الغرب وفي وسائل الإعلام الأوروبية الأمريكية، تفيد بأن وراء التمرّد كانت هناك المطالبة بالديمقراطية.
وتعزّز الاتصال الخاص بين النظامين التركي والقطري مع إدراكهما أنهما إذا تمكنا من تولي القيادة السياسية لتيار الإسلام السياسي، الذي كان مكروهاً من قبل الحكومات العربية الأكثر اعتدالاً وخاصة في منطقة الخليج، فقد يصبحان اللاعبين الرئيسين الجديدين في الجغرافيا السياسية بالشرق الأوسط.
المحور الثنائي تحوّل إلى أداة لزعزعة أمن الدول العربية وضرب استقرار سورية والعراق وليبيا ومصر، ففي سورية دعمت قطر الجماعات الارهابية مثل “جبهة النصرة وأحرار الشام”، وبعض الجماعات الصغيرة، بالإضافة إلى تقديم دعم كبير لتنظيم “داعش”، في حين فتحت تركيا أبوابها أمام المقاتلين للعبور إلى سورية، وفي العراق قدّمت الدوحة السلاح للتنظيمات المسلحة. وفي ليبيا تورّطت دويلة قطر رسمياً في دعم الجماعات الإرهابية منذ سنة 2011، بهدف زعزعة الاستقرار في ليبيا، وضرب عملية التحوّل الديمقراطي. وفي مصر بدا التدخل في دعم صعود الإخواني محمد مرسي إلى الرئاسة المصرية في عام 2012.
ولكن لم تسرِ الأمور كما هو مطلوب من قبل المحور التركي والقطري، ففي مصر، تحطّمت أحلام مرسي و”الإخوان المسلمين” في عام 2013، في مواجهة رد فعل الجيش. أما في سورية وبفضل صمود الشعب العربي السوري، ودعم الحلفاء والأصدقاء سقط المشروع الإخواني إلى غير رجعة، وبدأت مرحلة التحرير واستعادة المناطق التي تسيطر عليها الفصائل الإرهابية المسلّحة.
ولقد ساندت أنقرة السياسات القطرية في تمويل الإرهاب، وكانت في مقدمة الدول التي فتحت أبوابها وفنادقها أمام القيادات البارزة للجماعات الإرهابية في مقدمتها “جماعة الإخوان” الإرهابية، ومنحتها الملاذ الآمن، وكل الوسائل للتخطيط وتنفيذ مؤامراتها في الدول العربية، وكانت تخرج العمليات الإرهابية من خلف غرف الفنادق التركية، كما نفّذت أنقرة وأبواقها الإعلامية أجندتها المشبوهة، وقامت المخابرات التركية بتدشين فضائيات موجّهة للعبث بالأمن القومي العربي، كما فتحت أنقرة حدودها أمام التنظيمات المسلّحة للعبور إلى سورية للجهاد المزعوم.
إن الدور الذي شغله محور تركيا وقطر في اضطرابات الشرق الأوسط، وطموحات الحليفين في تولي القيادة والتفوق في المنطقة الأكثر حساسية في العالم، قاد إلى الموعد الثاني المهم في العلاقات بين النظامين، حينما قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها بالدوحة بسبب دعمها للإرهاب.
ووجهت تلك الدول إنذاراً قاسياً إلى قطر لفرض تقليص العلاقات مع “الإخوان المسلمين”، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية التي أنشأت في نيسان 2014، وإلا سيتم فرض عقوبات قاسية للغاية، وبهدف تعزيز الضغط أغلقت السعودية والإمارات حدودهما مع قطر، وتم تعليق الرحلات الجوية والبرية.
وكانت العقوبات المفروضة على قطر قاسية للغاية، ولا يمكن إلا لجسر جوي تركي أن يمنع أزمة غذائية حادّة لشعب غني، ولكنه ضعيف ويواجه حصاراً من جيرانه، ولكن الدعم التركي أثّر سلبياً على العلاقات بين أنقرة وبين الرياض وحلفائها الخليجيين مع تداعيات قوية على التجارة التركية.
أما الأزمة في البحر المتوسط فهي مفتوحة وبعيدة عن الحل، إذ تتعارض خطط تركيا بشأن المناطق الاقتصادية الخالصة قبالة الجزء التركي من قبرص وجزر بحر إيجة الشرقية للتنقيب عن الغاز تحت الماء واستغلاله بشكل صارم ورسمي من قبل اليونان وفرنسا.
وصف تقرير لموقع “ناشونال إنترست” الأمريكي تركيا وقطر بـ”الأخوين”، اللذين يشاركان في التمويل غير المشروع لتعزيز الأيديولوجيات المتطرفة، وأوضح التقرير أن المحور القطري التركي بات يتنافس بقوّة على نفوذه في جميع أنحاء الشرق الأوسط من العراق إلى ليبيا، ما يعقّد الوضع في المنطقة “المضطربة فعلاً”.
ويكشف التقرير كيف أن الشراكة القطرية التركية تنمو وتتوسع لتشمل مجالات عدّة، بما في ذلك التعاون في مجال الدفاع والعلاقات العسكرية والإعلام والطاقة.
كما سلّط الضوء على أن أجندة تركيا وقطر المدمّرة والمزعزعة للاستقرار “مثيرة للقلق بالنسبة لواشنطن”، قائلاً “الدولتان حليفتان للولايات المتحدة، على الأقل ظاهرياً.. كما أنهما تستضيفان قواعد عسكرية أمريكية مهمّة، لكنهما أصبحتا إخوة في السلاح وفي مشاريعهما المشجعة على الأيديولوجيات المتطرفة”.
وفي إشارة جديدة على مخاطر التحالف التركي القطري، ودور البلدين الهدّام في العديد من الملفات الإقليمية والدولية، سلّطت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية الأمريكية الضوء على الأعمال التخريبية لأنقرة والدوحة في عدد من الدول.
وذكر تقرير المؤسسة الصادر في شهر كانون الأول عام 2019، أن ليبيا كانت واحدة من أولى ساحات المعارك التي ظهر فيها جلياً التحالف القطري التركي، مشيراً إلى دعم البلدين للميليشيات المتطرّفة.
وأوضح التقرير: “حين بدأ الصراع في 2011، أصبحت قطر أول دولة عربية تعترف رسمياً بمتمرّدي ليبيا، كما أنها أرسلت المئات من قواتها لدعمهم”.
علاوة على ذلك، يبرز التقرير الحديث أن الدوحة أشرفت على تدريب المقاتلين الليبيين في مناطق مختلفة البلاد، مشيراً إلى أن “الدور القطري كان كبيراً لدرجة أن الليبيين في بعض المناطق باتوا يرفعون العلم القطري إلى جانب نظيره الليبي”.
ومن جهة أخرى، ووفقاً لفريق من الخبراء التابعين للأمم المتحدة، فقد سلّمت الشركات التركية الأسلحة إلى تحالف “فجر ليبيا”، وهو تكتل لميليشيات متشدّدة، كما اتهمت اللجنة ذاتها قطر بإرسال الأسلحة والمال إلى “المتشددين”.
لقد أماطت الأزمات التي عصفت بالمنطقة العربية منذ عام 2010 حتى اليوم النقاب عن مخطّطات ثنائي الشر، وإصراره في سياساته العبثية في الإقليم، ودعمه للإرهاب وتمويل العنف في مناطق النزاع، وإيواء عناصر إرهابية مطلوبة دولياً، فظهرت مؤامرات وحقد دفين كان يكنه هذا المحور لدول المنطقة.