ثقافةصحيفة البعث

لمسات من شعر نزار قباني

على الرغم من مرور ربع قرن على رحيله و100 عام على ميلاده تكشف لنا الأيام يوماً بعد يوم أن الحديث عن الشاعر نزار قباني يكاد لا ينتهي، وأنه الشاعر الذي تنطبق عليه مقولة “مالئ الدنيا وشاغل الناس”.. من هنا بيَّن د. إبراهيم زعرور رئيس فرع دمشق في اتّحاد الكتّاب العرب في بداية المحاضرة التي أقامها الاتحاد مؤخراً وألقاها د. محمد ياسر شرف تحت عنوان “لمسات في شعر القباني” أن الشاعر نزار قباني شخصية إشكالية، صعب وسهل القراءة في الوقت ذاته، وهو الذي تناول القضايا التي تمسّ الإنسان العربي وعاش منفياً وقتله الحنين إلى كلّ شيء في دمشق التي تغنّى بأزقتّها وياسمينها وناسها، وظلّت تسكنه حتى رحيله. وأشار زعرور إلى أن القباني كان حراً وتمتّع بفكر حر، مطالباً بقراءته جيداً، ومتسائلاً: هل أحسَنَ النقّادُ قراءته؟ وهل ما كُتِب عنه يناسب مكانته الشعرية؟ موضحاً أنه عُرِف بشاعر المرأة، وهذا وإن كان ليس عيباً إلا أنه اختصر حجمه كشاعر وإنسان وطنيّ وعروبيّ وتقدميّ، لم يدع شيئاً إلا وتحدث عنه.

شاعر مصوّر

وتوقف د. محمد ياسر شرف في محاضرته عند مراحل متعدّدة من مسيرة نزار قباني، وقد لخّصها بأبيات شعرية سمّاها “لمسات” وجاءت تحت عناوين مختلفة:

الآن أبدأ الحديث.. أول الطريق

سمعت مرة بشاعر يدعى نزار

بشاعر.. من همّه أن يكشف العيوب..

بل… كل همه أن ينشب الشرر..

أن ينبش الذنوب!

وكان همّه أن يزهر التفكير..

أن نزرع العقول

أن نجني الليمون.. والحضارة الغناء.. والزهر

وكان مؤمناً بأن صوت الحرف

يرسل السحاب والمطر

..

قرأت شاعري… درسته

وجدته مؤجج الخيال

متواتر الوصال

مساحة الألوان في رؤاه…

وسيعة…. عميقة…

ممتدة… بعيدة… طليقة

..

نزار… شاعر مصور

-إذ يرسم الحياة-

لم يترك الإنسان في بلادنا،

مطية التجهيل

لم يعبد التقليد والرضوخ للقديم

..

قد كان شاعري يحب أهل بيته

يريد جعل أمة كالقبلة السنية الضياء

لأنه تعلم النظام من بلاد،

أزمعت أن تغزو الفضاء

أن تكتشف البعيد من مرامي الكون

والشموس… والجواء

تعلم التفكير بالأمراض.. في البلاد.. والوباء

البعد الفني للّغة

ورأى د. شرف أن نزار قباني كان بإمكانه أن يتخذ مواقف تجعل سمعته لا بين النقاد بل بين الجماهير أكثر وضوحاً، لكنه كان مخلصاً لمواقفه وشعره، وهو الفنان المبدع والصانع الماهر والمتمكّن من استخدام البعد الفنّي للّغة إلى درجة كبيرة، فكان يكتب كما يتنفس، وليس لديه مشكلة في القول لأن أسلوبه كان يفضي بالمعلومة، والمشكلة الأساسية في هذه الطريقة برأي شرف أن الفورة الانفعالية هي التي تقود الشاعر أثناء الكتابة، لذلك هناك من الشعراء من يعود لما كتبه، فيبّدل ويعدّل، وهناك من يتركها كما هي، وهو ما كان يفعله قباني الذي عُرِف عنه أنه يكتب قصيدته وينساها، منوهاً بأن نزار قباني فُهِم على نحو مستقيم وبمعيار واحد، وأن الأساس الذي كان ينطلق منه في الكتابة طالما كان قادراً على إثارة الشعور أن هذه القصيدة ذات قيمة، وهذا كان يكفي عنده لإيمانه أن الشاعر ليس معلّماً بل محرّض، وهو مع النظرية التي تقول: “الأدب مهمته أن يحفّز على الاستمرار، والعلم مهمته أن يجيب على الأسئلة بعد أن تقوم الفلسفة بصياغتها بشكل جيد، وهو ما يفسّر برأي د. شرف أن الذين كتبوا روايات ناضجة درسوا الفلسفة لقدرتهم الكبيرة على صوغ الأفكار.

المرتكزات الفكرية

تخلل المحاضرة إلقاء د. محمد ياسر شرف لبعض قصائد نزار قباني، وكان حريصاً على اختيار قصائد بعيدة عما يُسمّى بشعر المرأة ليؤكد أن نزار قباني لم يكن شاعر المرأة فقط وهي الصفة التي لازمته حتى اليوم، كما كانت المحاضرة فرصة ليتساءل شرف بعد قراءته لإصدارات نزار قباني: هل يمكن النظر بتعاطف مع ما يقوله الشاعر أحياناً إذا نسف صلب رسالة التغيير التي كان يدعو إليها في مرحلة زمنية سابقة أو في أعمال إبداعية أخرى انطلاقاً من القضية التي عالجها جان بول سارتر في كتابه “الأدب الملتزم” حين قال إن الناثر يملك اللغة أما الشاعر فتملكه اللغة؟. ورأى أن الإجابة على هذا التساؤل لا يمكن أن تتغاضى عن أن مواقف محورية في رسالة الأديب التثقيفية والمجتمعية تكون لمصلحة مكاسب شكلية، لذا فإن المشكلة الأهم التي يجب طرحها في تقويم الأعمال الإبداعية ليست قضية اللغة والمكونات الفنية في صياغة الشعر أو صنوف الأدب الأخرى بل المرتكزات الفكرية التي يستمد منها المبدع ملامح عمله التأليفي، بما في ذلك المواقف الثقافية والأخلاقية، فالأثر الأدبي يحمل في طياته دليل دراسته، ويمكن أن ينبئ بمكانته التي يستطيع شغلها بين نظرائه انطلاقاً مما يدخل في إطاره التعبيري وغاياته التوجيهية وأفكاره المطروحة.

أمينة عباس