هل تكون أوراسيا الكبرى محركاً للسلام والازدهار العالميين؟
ترجمة: عائدة أسعد
على الرغم من الصراع بين روسيا وأوكرانيا والمواجهة بين روسيا والغرب، بقيت منطقة أوراسيا الكبرى مستقرة نسبياً على عكس التوقعات بأن المنطقة ستكون متورّطة في الصراع وممزقة بعدم الاستقرار، ولن يكون من المبالغة القول إن التقاء العوامل الجغرافية والسياسية والمؤسسية والاقتصادية قد جعل أوراسيا الكبرى أكثر مرونة في مواجهة احتدام المنافسة بين القوى الكبرى حول منطقة أوراسيا الكبرى.
أولاً، تمت إزالة جوهر أوراسيا الكبرى جغرافياً من المسارح الرئيسية للمواجهة بين القوى الكبرى. وفي حين أن أوروبا الشرقية ودول البلطيق تقع على الخطوط الأمامية للصراع الفعلي بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، فإن دول آسيا الوسطى ومنغوليا ومعظم شرق آسيا تمّت إزالتها من نقاط التوتر الجيوسياسية هذه، وبعدها عن مسارح المواجهة لحمايتها من أسوأ الآثار المزعزعة للاستقرار للتنافس بين القوى العظمى المتمركز في أوروبا.
ثانياً، تتمتّع معظم الدول في أوراسيا الكبرى بالاستقرار السياسي والقدرة على الصمود داخل حدودها، إضافة إلى أن لدى دول آسيا الوسطى آليات لمنع القوى الخارجية من إثارة المشكلات داخل حدودها كما تتمتّع منغوليا بحكومة مستقرة.
ثالثاً، أثبتت المؤسّسات الإقليمية مثل منظمة شنغهاي للتعاون والاتحاد الاقتصادي الأوراسي أنها أكثر مرونة من الكتل والمنظمات الأوروبية مثل الاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في النزاعات الجيوسياسية الخارجية، حيث تعتبر منظمة شنغهاي للتعاون والاتحاد الاقتصادي الأوراسي منظمتين عمليتين، وقد تمّ بناؤهما على أساس المصالح الأمنية والاقتصادية الأساسية المشتركة بين الدول الأعضاء بدلاً من القيم المعلنة ذاتياً أو المثل السياسية التي يمكن أن تقوّضها الصراعات بين الدول وتمكنها أسسها القوية القائمة على القضايا من التغلّب على العواصف الجيوسياسية.
رابعاً، تعمل القوى الاقتصادية، وخاصة قوى السوق، كعامل استقرار لأوراسيا الكبرى طالما أنها ليست مقيدة بشكل مفرط بالنزاعات السياسية وستستفيد الصين وروسيا ودول آسيا الوسطى ومنطقة القوقاز اقتصادياً من زيادة التجارة والاستثمار والبنية التحتية والاتصال في أوراسيا، كما تساعد هذه المصالح والحوافز الاقتصادية المتبادلة على تجاوز الانقسامات السياسية وتعزيز الترابط المفيد.
وحتى جنوب القوقاز، التي تعتبر عادة المنطقة الفرعية الأكثر تقلباً في أوراسيا الكبرى فهي متشكلة من خلال الديناميكيات المحلية أكثر من التنافس العالمي الأوسع على السلطة، كما تلعب القوى الإقليمية مثل تركيا وإيران دوراً في شؤون المنطقة أكبر من القوى الكبرى الغربية وتظلّ الخلافات والاختلافات إن وجدت، محلية ومحتواة بدلاً من تصعيدها إلى صراعات أوسع نطاقاً وزعزعة للاستقرار.
وعلاوة على ذلك، تمّ إنشاء مؤسسات أوراسيا الكبرى في ظل ظروف تاريخية وجيوسياسية مختلفة عن الكتل والمنظمات الغربية مثل الاتحاد الأوروبي، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، فمنظمة شنغهاي للتعاون لا تتمتّع بالتوازن المعقد لسياسات القوة التي حدّدتها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وبالمثل لا تحاول منظمة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي إقامة توازن معقد للمصالح المتنوعة التي يحدّدها الاتحاد الأوروبي، وإنما يركز التصميم المؤسسي البراغماتي للمنظمتين على المصالح الأساسية لدول المنطقة، وهو الذي يجعل المنظمات الأوروبية الآسيوية موجهة نحو تحقيق النتائج والمرونة في مواجهة الضغوط الخارجية.
أيضاً، تعتمد الاقتصادات في منطقة أوراسيا الكبرى بدرجة أقل نسبياً على العوامل السياسية الخارجية، على الرغم من أنها ليست محصّنة تماماً ضد الصدمات العالمية، ونتيجة لذلك فإن التكامل الاقتصادي البيني والتنمية المحلية، وليس الاعتماد على الأسواق الخارجية، هما المحركان لنموها الاقتصادي وهذا الاكتفاء الذاتي الاقتصادي هو الذي يمنحها الاستقرار.
صحيح أنه لا يمكن اعتبار الاستقرار في أوراسيا الكبرى أمراً مفروغاً منه إلى الأبد، ولكن العوامل الجغرافية والسياسية والمؤسسية والاقتصادية الموضوعية وفقاً لنظريات العلاقات الدولية القياسية تجعل المنطقة أكثر استقراراً وسط احتدام المنافسة بين القوى الكبرى، وسيعتمد استقرار المنطقة على المدة التي يمكن أن تصمد فيها عوامل الحماية في البيئة العالمية المتقلبة.
لقد كان منع ظهور نظام مستقر في أوراسيا هو الهدف الاستراتيجي للولايات المتحدة في نهاية الحرب العالمية الثانية، ولذلك فإن الحفاظ على الاستقرار والسلام في أوراسيا أمر أساسي لمصالح السلام والتنمية في العالم، وتمثل أوراسيا نسبة كبيرة من سكان العالم واقتصادها، وإذا انتشر الصراع والمواجهة، فلن يؤدي ذلك إلى إعاقة التنمية الإقليمية فحسب، بل سيؤثر أيضاً على العالم بأسره، وبالتالي يجب على الدول أن تنظر إلى ما هو أبعد من الاختلافات، وأن تعزز الثقة المتبادلة والتعاون، وتمكن أوراسيا من أن تصبح محركاً مهماً للسلام والازدهار العالميين، بدلاً من بؤرة للصراع، وبهذه الطريقة فقط يمكن للبشرية جمعاء المشاركة في فرص التنمية والعمل معاً لخلق مستقبل أفضل.