ثقافةصحيفة البعث

صالة سينما يتيمة لمحافظة المليون!

وائل علي

ماذا يعني أن تكون مدينتك بلا سينما!؟ لعلها مفارقة عجيبة غريبة بل ومخجلة أن تتطلع لمدينتك لتراها اليوم بلا سينما!

مدينة طرطوس ليست الوحيدة التي خسرت “سينماتها” وهي التي كانت حتى تسعينيات القرن الماضي تعج بالسينمات كمعظم مثيلاتها، فكانت لسنوات منبراً لعروض الفن السابع والثقافة وسائر النشاطات الاجتماعية والفنية المختلفة وغيرها التي خسرناها دون انتباه أو لسوء تقدير من عواقبها، لتخلو الساحة للانغلاق، والخواء الثقافي فحصدنا بتخلينا وعدم الدفاع عن أهمية وجودها وحضورها “ربما” الكثير من الخيبات والتداعيات!

والآن..

لم يبق لطرطوس “محافظة المليون” تقريباً سوى صالة عرض واحدة بعد أن فقدت تباعاً صالات سينما “السبع” التي تهالكت وتحولت لسوق تجاري بحت إثر توقفها عن العرض منذ سنوات طويلة، وصالة سينما “العباسية” المقابلة التي أزيلت عن بكرة أبيها بعد سنوات من خروجها عن الخدمة وهدمها على خلفية نزاع قضائي حاد أفضى لتحويلها لمشروع تجاري عقاري رابح بامتياز، إلى صالة سينما “الأمير” على بعد دوار أو دوارين من الدوارات القليلة التي تزين شوارع المدينة التي لم يكن مصيرها بأحسن حالاً من مصير شقيقتيها بل سبقتهما إلى العدم!

وحدها صالة سينما “الكندي”، الحديثة العهد نسبياً، وآخر حبة العنقود المملوكة لوزارة الثقافة – المؤسسة العامة للسينما – لا تزال تنبض بالحياة، وهي تلعن ظلام ليل الثقافة وجحود أصحابها وهجران روادها معاندة قدرها “المحتوم” الذي ينتظرها عاجلاً أم أجلاً، بإشعال شمعة واحدة عند إطلاق كل عرض جماهيري “مجاني”، لأي إنتاج سينمائي محلي جديد تكتب له مؤسسة السينما الحياة بحضور بعض أبطال الفيلم ومخرجه ومؤلفه ومدعوين!!

وفي حقيقة الأمر..

قد لا يساعد المناخ العام الذي فرض نفسه الآن على “ريتم” الحياة للتصالح مع ذاك الشغف الذي يجعلك تخرج من دارتك وبيتك لتشاهد عرضاً سينمائياً لأسباب عديدة، منها مشاغل الحياة التي أخذتنا لمطارح بعيدة، وتغير الاهتمامات والأولويات وتركزها ضمن نطاق الحياتيات واليوميات، ولا ننسى بطبيعة الحال السوشيال ميديا وما أفرزته من معطيات ووفرته من خيارات وأتاحته من اطلاعات ومتابعات لكل جديد ومبتكر وإبداعي بأقل التكاليف وبأسرع وقت…

مع ذلك…

إن الإبقاء على صالات العرض والإكثار منها وتشجيع القائم والمستثمر لاستقدام الأفلام الحديثة وأفلام المهرجانات والجوائز والترويج لها والعودة للأسابيع السينمائية بالتعاون مع الدول الحليفة والصديقة، وإحياء مهرجان دمشق السينمائي، وإطلاق النوادي السينمائية وتقديم عروض لسينما الأطفال والناشئة واليافعين والشباب غاية في الأهمية ويساهم في إخراج هذه الشريحة من طغيان الفراغ والعبث واللهو والضياع، ويقدم لهم وجبة دسمة من المتعة والمعرفة والفائدة والجمال والتذوق والاطلاع على الجديد المفيد…

مهمة شاقة…

ومع تسليمنا أن المهمة شاقة وليست سهلة لكن الرضا والقبول بما آلت إليه الأحوال وترك الساحة الثقافية لهو أشد ضرراً على جيل الشباب الواعد الطالع الذي لا نريد تقديمه على طبق الانحراف والإنجرار خلف الممنوعات والتفاهات والتعصب والإنغلاق واليأس والإحباط…

ولابد في هذه الوقفة السريعة من الإشارة إلى أن تلاشي واضمحلال صالات السينما واختفائها – إن صح الكلام – ليس وقفاً على مدينة أو محافظة أو بلد بعينها، بل هي مشكلة وأزمة عابرة للبلدان والدول الكبيرة والصغيرة الغنية والفقيرة على حد سواء بفعل سحر وطغيان الميديا التي قلبت المعايير والموازين رأساً على عقب، وصارت أمراً واقعاً ألزم الجميع إعادة قراءة الواقع والمستجدات والتموضع على ضوء المتغيرات وبناء الشيء وفق مقتضاه مع فارق أن الآخرين لم يتخلوا عن صالاتهم بل دعموها لتستمر، وظلوا يبتدعون الفكرة والأسلوب لشد وجذب انتباه الجمهور وجعله يتردد لدور السينما مترقباً حضور آخر إنتاجاتها وأفلامها وإبداعاتها…!!

ومهما يكن الحال فإن الإبقاء على دور السينما  يبدو أمراً حيوياً يستدعي المحافظة عليه وإنعاشه ليبقى حياً لا يموت، لا أن ندعه يختفي ويزول ليصبح ذكرى بعد دفنه في مقبرة التاريخ!!