الصفحة الاخيرةحديث الصباحصحيفة البعث

تنويع على الحركات

عبد الكريم النّاعم

تعرفون أنّ الحركات الإعرابيّة التي تبيّن موقع الكلمة العربيّة، في الجملة، هي أربع (الرّفع- الكسر- الفتْح- السّكون)، وعلى هذه المفاتيح سوف نجري بعضاً من احتمالات التّنويع.

* الرّفْع، أبدأ من حادثة قديمة جرتْ في أحد معسكرات الجيش العربي السوري، أثناء الاحتفال بأعياد الوحدة بين سورية ومصر، وكانت الآمال عالية، والانفعالات أعلى، فقد وقف عريف الحفْل ليبدأه، فقال: “السلام على الوحدةُ”، فنقز قائد التشكيل، وكان الاهتمام باللغة شديداً، ليس كما هي الحال في أيامنا، فقال قائد التشكيل سرّاً، “ستّة أيام سجن”، أعادها عريف الحفل، وبالصيغة نفسها، وكان قد أدرك خطأه، فقال القائد: “صاروا اثني عشر يوماً”، وأعادها ثالثة، ووضّح فقال: “أقول الوحدةُ لأنّ ما رفعه الله يأبى أن يخضع لقواعد الجرّ الخافضة”، فقال القائد: “إجازة أسبوع”.

هذا في ذلك الزمن، أمّا في زماننا فلم نعد نعرف من كلمة (رفع) إلاّ رفْع الأسعار، الدولار، الأدوية، الأغذية، الاتصالات بأنواعها، ولا ننسى (رفْع) يد الحكومة عن دعم العديد من المواد المتعلّقة بحياتنا اليوميّة، يعني تسليم رقبتنا للتجار في كلّ شيء، أمّا (رفع) الرواتب، بما يناسب: العيش”لا” الحياة، فذاك بيننا وبينه سنوات ضوئيّة!!.

على ذكر (رفْع)، أذكر أنني قرأت أنّ أحد المسؤولين الرسميين قال للمطرب الراحل فهد بلاّن: “لو كنت تحمل شهادة صفّ خامس، لكنّا أخذناك إلى مجلس الشعب”، فأجابه فهد” كمانْ رفْع الإيد بدو شهادة”؟!!.

* الكسْر، يقال “كسرْ عينو” إذا انتصر عليه، أو قهره، ولا يحتاج هذا لشرح طويل، فما عليك إلاّ أن تنظر في وجوه معظم الناس في هذه الأيام، فعيونهم مكسورة من القهر، والإحساس بالحاجة، وإحساسهم أنّهم في واٍد، وما يُفعَل من قِبَل جهات رسميّة معنيّة، في وادٍ آخر، حتى لكأنّنا لسنا مواطنين في هذا البلد، بل مجرّد بقرة حلوب، استنزفوها فلم يبقَ منها غير الجلد والعظم.

على ذِكْر الكسْر، في إحدى القرى جلس رجال يتسامرون، فمدّ يده أحدهم إلى إصبع جاره، وغمزَها بقوّة، فقال له صاحب الإصبع ببرود (بْتنْكسرْ)، أي ستُكسر، فزاد ضغطه على الإصبع، فقال له صاحب الإصبع: “قلنا لك بْتنكسرْ!! فضغط أكثر فسُمع صوت انكسار الإصبع، فقال له صاحب الإصبع بذات البرود: “قلنا لكْ”، فهل ثمّة تشابه بين بعض ما يجري وهذه الحادثة؟!!.

* الفتْح، بداية أشير، لكثرة ما استُخدِمت هذه المفردة فإنّ أول ما يقتحم الدماغ من حضورها الفتْح العربي الإسلامي لبلاد العرب، وهذا وحده اسمه فتْحاً، وما عداه فهو شيء آخر، كزعْم بعض مَن هم بيننا من أنّ الاحتلال التركي الذي استعمرنا أربعمئة سنة، ونهب خيراتنا، وأذلّنا، يسميه البعض (فتْحاً)!!.

يقولون (فتَح) عينه فوجد نفسه في عالم ما يكاد يعرفه، هذا حين تكون التغيّرات عميقة، وصادمة، وقادرة على قلْب المفاهيم،

ويقولون (فتَح) عينيه منذ ولادته على ما لا يسرّ،

ويقولون (فتَحَ) فمه أي بدأ يتكلّم، أو همّ بالكلام،

ويقولون (فتَحَ) اللهُ عليك، أيْ يسّرَ لك بالتوفيق،

ويقولون (انفتح) عليه باب رزق، وهذا من المُشكَل، فالبعض لا ندري كيف انفتح لهم هذا الباب، فإذا هم فوق ريح الريح، فصاروا يلعبون بالدولارات، وبأونصات الذهب لعباً، وبنوا من البيوت، والمحال، وحووا من أنواع السيارات ما يُذهِل.

* أمّا (السكون) فهو إطباق الشفتين عند لفظ الحرف، ويعني عدم الحركة، وفقدان الحركة هو من علامات الموت!.

 aaalnaem@gmail.com