البنوك لا تخسر..!!
علي عبود
من السذاجة القول “إن البنوك تخسر، أو إن أرباحها وهمية”، فالبنوك سواء في سورية أو في أي بلد في العالم تحقق أرباحاً من المودعين ومن المقترضين، سواء أكانوا أفراداً أم حكومات.
نعم، البنوك قد تُعلن إفلاسها، ليس بسبب خسائرها، وإنما بفعل التوسّع في الإقراض والاستثمار في أصول متنوعة، فعندما تعجز عن تلبية طلبات عدد كبير من المودعين في زمن قصير أو طويل، ويحدث هذا، يسبّب أزمات مالية واقتصادية، فإن البنوك تعلن إفلاسها، لأن كل قوانين المصارف في العالم تجيز لها التوقف عن ردّ الودائع عندما تعلن إفلاسها، كي تقوم بمعالجة نقص السيولة بمساعدة الحكومات والبنوك المركزية!
والأمر في سورية مختلف تماماً، فما من مصرف خلال العقود الماضية أعلن إفلاسه، وما من مصرف توقف كلياً عن ردّ الودائع لأصحابها، ولا علاقة لتقييد السحوبات بنقص السيولة في المصارف!.
لكلّ هذه الأسباب نستغرب السؤال الذي طرحه “الخبير الاقتصادي” جورج خزام: هل البنوك الحكومية والخاصة تحقق أرباحاً حقيقية أم أرباحاً وهمية؟
ولكي يُثبت “الخبير الاقتصادي” رأيه بأن أرباح البنوك السورية والخاصة وهمية، فإنه استند إلى تحليل لا يمتّ إلى عمل المصارف بأي صلة، وهو أن “المصارف تقرض الآخرين من أموال مؤسسيها، وهذا خطأ بخطأ!!”.
السؤال: هل مؤسّسو المصارف الخاصة، وهم تجار ورجال أعمال وحيتان مال، مستعدون أن يُقرضوا المواطنين والمستثمرين، ولو كانوا زملاء في الكار، قرشاً واحداً من أموالهم؟.
هم لم يفعلوها عندما كان سعر صرف الليرة قوياً ومستقراً، وبالتالي هل سيفعلونها وسعر الصرف بات ضعيفاً ومتذبذباً؟!.
المصارف الخاصة والحكومية مثل كلّ مصارف العالم تعمل بأموال المودعين، لا بأموال المؤسّسين، وبالتالي فهي تربح من المودعين ومن المقترضين، سواء أكانت نسبة التضخم صفراً أم 100%!
أصحاب المصارف ليسوا سذجاً ولا بلهاء، كي يجهلوا أن القروض التي يمنحونها مع أقساطها، تتراجع قوتها الشرائية، وهم غالباً يمارسون أعمالاً تجارية متنوعة بعضها معلن وأغلبها خفيّ، أي يُقيّمون منتجاتهم وخدماتهم بقوة سعر الصرف السائدة في السوق السوداء، فهل سنصدق فعلاً أنهم يمنحون القروض من خزائنهم الشخصية كي يستردونها لاحقاً بأقل من قيمتها بنسب مرعبة جداً؟
ما اعتبره “الخبير الاقتصادي” خسائر برسم التحصيل صحيح تماماً، لكنها خسائر للمودعين، وليس لأصحاب المصارف، فالقرض الممنوح بقيمة 10 ملايين ليرة من أموال المودعين (2000 دولار عندما كان سعر صرف الدولار 5 آلاف ليرة)، انخفضت قيمته الشرائية بعد تحصيل القرض مع الفوائد بثلاث سنوات إلى 13.6 مليون ليرة (900 دولار تقريباً إذا ما تمّ حساب قيمة كل قسط بالدولار بتاريخ التسديد)، مثال دقيق، لكننا لا ندري السبب الذي جعل “الخبير الاقتصادي” يجزم أن انخفاض قيمة القروض هي خسارة للمصارف وليس للمودعين!
قلناها سابقاً في أكثر من مقالة على مدى عقد من الزمن: إن المصارف والمقترضين هم من أبرز الرابحين بفعل التراجع المستمر بسعر الصرف، فالمقترض يعيد القرض بقيمة أقل والمصرف يمنح فائدة للمودعين بقيمة بالكاد تصل إلى 1% مقابل 9% ما قبل عام 2011، فوديعة المليون التي كانت قيمتها الدولارية لا تقلّ عن 21 ألف دولار تضاءلت إلى أقل من 100 دولار حالياً!
وأمام نسب التضخم وتدهور سعر الصرف كان يجب أن تعلن المصارف إفلاسها وتغلق أبوابها لو كانت تقوم بعمليات الإقراض والتسليف من خزائن مؤسسيها التّجار ورجال الأعمال وحيتان المال!!
نعم، من الخطأ طرح سؤال من قبيل “هل أرباح المصارف حقيقية أم وهمية؟”.
والسبب أن المصارف لا تخسر لأنها تعمل بأموال المودعين لا المؤسّسين، والسؤال الذي يجب أن يُطرح مراراً وتكراراً، هو الذي طرحناه منذ عدة سنوات: ماذا فعلت المصارف الخاصة برؤوس أموالها وبودائع السوريين؟
وأشرنا حينها إلى أن المصارف الخاصة (حسب تقرير لاتحاد العمال صدر في نيسان 2015) أودعت 350 مليار ليرة بالقطع الأجنبي لدى المصارف الخارجية، دون إذن من الحكومة، أو من المصرف المركزي. وهذا المبلغ كان بحدود 50% من إجمالي موجوداتها النقدية آنذاك!!
ولا نستبعد أن تكون المصارف الخاصة استخدمت الجزء الأكبر من أموال صغار المودعين، فحوّلتها إلى دولارات، و”هربتها” إلى لبنان كي تحقق من خلالها أرباحاً فاحشة!
أما السؤال الثاني والأكثر أهمية فهو: ماذا فعل كبار المساهمين بالقروض التي استجروها من مصارفهم؟
لقد أقرضت بعض المصارف الخاصة عدداً من أعضاء مجالس إداراتها في بداية تأسيسها مبالغ تصل إلى أكثر من 200% من حصتهم في رأسمال المصرف المساهمين فيه، وكأنّ هذه المصارف تأسّست لاستجرار سيولة المودعين فقط، فماذا فعلوا بها؟
الخلاصة: المصارف الخاصة السورية لم، ولن، تخسر لأن مؤسّسيها من التّجار ورجال الأعمال وحيتان المال، والاحتمال الوحيد لخسارتهم عدم تحويل ملياراتهم في المصارف اللبنانية إلى المصارف السويسرية والأمريكية!!