التراث الثقافي السوري يتساءل عن واقعه الراهن
حلب- غالية خوجة
ماذا بين التراث والهوية والعولمة والانتماء والعلم والحداثة؟..
بين الذاكرة والحاضر ودلالات التراث المادية واللامادية، تحدث الباحث العلامة محمد قجة في الندوة التي أقامتها مؤسّسة “أرض الشام” بالتعاون مع مديرية الثقافة، منطلقاً من مفهوم التراث كثقافة حضارية خلفتها الأجيال السابقة للأجيال الحالية، لتكون عبرة ونهجاً للأبناء ليعبروا إلى المستقبل.
شجرة الحضارة
وعدّد قجة في ندوة “الواقع الراهن للتراث الثقافي السوري المادي واللامادي”، العناصر المتنوعة للتراث، ومنها العادات والتقاليد والطقوس والفنون والمعتقدات المختلفة، أي أنها لا تقتصر فقط على مدلول المكتشفات الأثرية، مؤكداً أن التراث في الحضارة بمثابة الجذور في الشجرة، وكلما تفرّعت عميقاً في الأرض كانت الشجرة أقوى على مواجهة تقلبات الزمان.
ولفت إلى أننا مستهدفون في سورية والوطن العربي لإلغاء الحضارة، ولاسيما بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وانتشار فكرة العولمة، وأشار إلى البيئة كعامل ضروري عبر العصور، ومنها البيئة التي أنتجت بيت الحكمة في كلّ من بغداد والقيروان وقرطبة، كما أنتجت العلماء من مختلف الأصول مثل الفارابي، ابن خلدون، الحسن بن الهيثم، الزهراوي، ابن النفيس الدمشقي. ثم انعطف إلى حلب وخصوصيتها والمراحل التي مرّت عليها من آشورية وكلدانية وفارسية وأوروبية كلاسيكية من إغريق ورومان، ثم المرحلة الإسلامية وما تلاها، ولاسيما أن حلب أنموذج متفرّد بالعيش المشترك المتسامح، وهذا الأنموذج لا يتشابه إلاّ مع بعض المدن القليلة في العالم، ولذلك اختارت اليونسكو عام 2003 حلب كإحدى ثلاث مدن كوزموبوليتية إضافة لكلّ من بيروت والإسكندرية.
التراث الشعبي والحياة والمناهج
وتحدّث د. محمد محسن عبد المحسن عن التراث الشعبي الحلبي كصورة توثيقية كتبه كثيرون، ومنهم العلاّمة خير الدين الأسدي، وكيف يشكّل هذا التراث حالة من الاعتزاز بالوطن والعروبة والقومية والثقافة والانتماء والحفاظ على المدينة وتأريخها والقيم والآداب الاجتماعية والوعي المعطاء والمشاعر الإنسانية الوجدانية، معدّداً الكثير من الأمثلة الشعبية، مثل: “كل إنسان بيعمل بأصلو”، “أهل الكرامات لهم علامات”، “اللي ما بينفع بلدو ما بينفع الناس”، متسائلاً: لماذا لا يدرّس هذا التراث في المناهج التعليمية؟.
وكان وضاح سواس مدير الجلسة يشير إلى سؤال أو فكرة مستخلصة من الندوة، حاكياً بعض التفاصيل عن التراث كثقافة مادية ولا مادية، متوقفاً عند التشابه بين أسواق حلب ومراكش وتلمسان وأصفهان.
أين الإنسان المؤنث المكرم؟
واختتمت الندوة التي تراوحت بين درس يحكي التاريخ وحالة حوارية اجتماعية بتكريم كلّ من المحاضرين محمد قجة، ومحمد محسن عبد المحسن والمرحوم عبد الفتاح رواس قلعه جي ونديم شراباتي ومحمد أبو معتوق وعبد الله حجار.
والملفت أن الفعاليات الحلبية ومنها التكريم وأغلب المناصب تتخذ الطابع الذكوري!.