الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء.. محطة للتمدّد في إفريقيا
البعث الأسبوعية – د.معن منيف سليمان
يعدّ الاعتراف الإسرائيلي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية وعزمها على افتتاح قنصلية لها وتعيين ملحق عسكري فيها، محطّة مركزية جديدة للتمدّد في القارة الأفريقية. ويأتي خدمة لمصالح “إسرائيل” بالدرجة الأولى، ويعكس أطماعها ليس على الصحراء فحسب، بل على المغرب ككل والشمال الأفريقي والقارة أجمع، لتحقيق كامل الأهداف الإسرائيلية عبر بوابة مهمّة تضمن المصالح الإسرائيلية في مختلف المجالات.
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” أرسل في شهر تموز الفائت، رسالة إلى الملك المغربي يعترف بموجبها بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وفقاً للديوان الملكي المغربي.
وتشهد الصحراء الغربية صراعاً طويل الأمد مع الرباط التي تقترح إنشاء حكم ذاتي موسع في إقليم الصحراء تحت السيادة المغربية، الأمر الذي ترفضه جبهة “البوليساريو” التي تدعو إلى استفتاء لتقرير المصير. وتدعم الجزائر الطرح الذي تقدّمه “البوليساريو” وتقدّم دعماً للجبهة كما تستضيف لاجئين من الإقليم على أراضيها.
وطبّع المغرب العلاقات مع “إسرائيل” في كانون الأول عام 2020 بوساطة أمريكية في إطار ما تعرف باسم اتفاقيات “أبراهام” مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. واعترفت واشنطن بالسيادة المغربية على المنطقة على الفور في حين تأخر الاعتراف الإسرائيلي إلى الشهر الماضي.
تنوعت أهداف الكيان الإسرائيلي من فرض وجوده في أفريقيا بين أهداف سياسية وأمنية بينها ولعلّ أبرزها تطويق الأمن القومي العربي. بالإضافة إلى أهداف اقتصادية متمثّلة في العمل على فكّ الحصار الاقتصادي العربي من خلال توسيع شبكة العلاقات مع الدول الأفريقية، وتوسيع الأسواق الأفريقية لـ”إسرائيل” وفتح المزيد منها، والحصول على الموارد الأولية والمواد الخام اللازمة للصناعة في “إسرائيل”، والسيطرة شبه الكاملة على تجارة الألماس في أفريقيا.
ولا يغيب عن البال الهدف الأيديولوجي الذي يتمثّل في العمل على إحياء ما يسمّى “الحضارة اليهودية” من خلال الربط الأيديولوجي والحركي بين الصهيونية وحركة الجامعة الأفريقية، و”الزنوجية” عبر الإدعاء بأن اليهود والأفارقة قد تعرّضوا لعملية اضطهاد مشترك، وتمييز عنصري، وأن تجربتهما التاريخية والنفسية متشابهة.
“إسرائيل” أرادت أن يتجذّر اتفاق (أبراهام) عبر المغرب وأن يكون هذا الأخير محفّزاً، ونموذجاً لعدد من الدول، لتسايره، وبالتالي أرادت أن تجني من الاتفاق فوائد كثيرة، سياسياً ودبلوماسياً إلى جانب ما هو اقتصادي وعسكري. كما أن الإسرائيليين يريدون أن يستثمروا في علاقاتهم مع المغرب بشكل قوي، ويحاولون ألا يتراجع في تطبيعه، وجرّ دول المنطقة الأخرى إلى اتفاقات، وبناء صدى عربي في هذا الاتجاه لأن الصدى يطبع نفسياً.
وفي هذا الصدد قال “نتنياهو” : “إسرائيل تعود إلى أفريقيا وأفريقيا تعود إلى إسرائيل”. ويبدو أن المغرب سيكون بوابةً جديدةً تُفتَح لـ”إسرائيل” على أفريقيا.
ولكن ومن ناحية أخرى إذا ما وضع هذا الاعتراف في الميزان السياسي العام فإنه لا مصلحة مغربية من الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء. ذلك أن الاعتراف الصهيوني بمغربية الصحراء يخلق جواً ضدّ المغرب لدى مجموعة من الدول العربية والدول المحبة للسلام بصفة عامة لأنه سيصبح المقياس على أن “هل الصهاينة راضون عن النظام أم غير راضين؟”.
كما أن الإعلان الإسرائيلي عن فتح قنصلية للكيان بعد الاعتراف بالصحراء المغربية، يعني أن هذه القنصلية ستشكل محطّة رئيسة لـ”إسرائيل” للتسلّل إلى ثروات المغرب أولاً، هذا بالإضافة إلى طبيعة الثمن الحقيقي المتوقع من وراء هذا الاعتراف سواءً على الصعيد المغربي الداخلي كمسار أوليّ، أو حتى على صعيد علاقات المغرب ومواقفه تجاه القضايا العادلة في المنطقة، كقضية فلسطين والقدس من جهة أو علاقات المغرب مع محيطه من جهة أخرى، لكن المهم وكمحصلة نهائية لتطورات العلاقة الإسرائيلية- المغربية، فإنّ مغربية الصحراء تساوي إسرائيليتها أو بمعنى أشمل وأدق، فإن هذا الاعتراف لا يعدّ سوى “أسرلة جديدة للصحراء لا مغربة لها”.
وفضلاً عن ذلك، فإن الاعتراف هو إحراج للمغاربة الصحراويين الوحدويين، عبر القول إن مغربية الصحراء تساوي إسرائيليتها، وبالتالي فإنّ من مصلحتهم كصحراويين التفكير مليّاً في أن يكونوا مع الوحدة المغربية ومن ثم القبول بالصهينة والإسرائيلية، أو أن عليهم أن يغيّروا وجهتهم ومزاجهم في اتجاه مغازلة الطرح الانفصالي كونه سيصبح نضالياً ضدّ الصهيونية، لقد قدّم الاعتراف هدية لدعاية الانفصال من حيث يتوهّم كنظام مغربي، أنه قد حقّق إنجازاً دبلوماسياً كبيراً بالاعتراف الصهيوني، وسيؤدّي ذلك إلى فقدان قضية الصحراء مرجعيتها الوطنية الشعبية الجامعة لدى المغاربة.
ولكن الإعلان لم يكن إعلاناً طبيعياً من دون مقابل، فقد اشترطت “تل أبيب” عقد الاجتماع القادم لمجموعة النقب على أرضه مقابل هذا الاعتراف. وبناءً على ذلك فإن الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء إزاء هذا الاشتراط يعدّ ابتزازاً إسرائيلياً واضحاً للمغرب.
وفضلاً عن ذلك فإن اعتراف “إسرائيل” بالصحراء يعني أن النظام المغربي انهار سياسياً مرتين، في المرة الأولى إبان توقيع اتفاق التطبيع الثلاثي في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عام 2020، وفي المرة الثانية برضوخه للضغوط والإملاءات الإسرائيلية، وتقديمه طوق النجاة لنتنياهو. في وقت تعيش “إسرائيل” أكبر أزماتها الداخلية والوجودية، وتحاول تحقيق بعض المكاسب الخارجية لتقديمها إلى جمهورها الإسرائيلي لضمان استمرار شرعية حكومة نتنياهو المزعزعة والتقليل من حدّة الاحتجاجات المتصاعدة ضدّها.
في نهاية المطاف فإن اعتراف “إسرائيل” بالصحراء الغربية يعدّ اعترافاً شكلياً لا قيمة ضمنية له، فهي “كيان” احتلالي لا يملك أيّة شرعية لكي يوهب الشرعية هنا أو هناك، بل يعدّ هذا الاعتراف استكمالاً لطريق عزلة النظام المغربي تجاه قضايا مركزية في المنطقة أولاً، ومحيطه المغاربي ثانياً. كما يعدّ خرقاً للقانون الدولي وصفقة مفضوحة لا يمكنها بأي حال من الأحوال إضفاء الشرعية على احتلال الأراضي الصحراوية.