العماد عباس خلال مؤتمر موسكو للأمن الدولي: الأهمية الجيوسياسية لأي منطقة تلعب الدور الأبرز في تحديد طبيعة وشكل العلاقات بين الدول
موسكو – سانا
أكّد وزير الدفاع العماد علي محمود عباس أن العالم يشهد اليوم ارتفاعاً في حدّة النزاعات والصراعات، ما يتطلّب جهوداً إضافية فاعلة وتعاوناً جدّياً للوصول إلى الحالة الأمنية الأفضل التي تتطلّع إليها الشعوب، مشيراً إلى أن دولاً كثيرة عانت من شرور الغرب الاستعماري الذي عمل من خلال إثارة النزاعات، ودعم التنظيمات الإرهابية على تدمير دول مثل العراق وليبيا ولبنان وسورية التي ما زالت تعاني من العدوان والإرهاب لأكثر من 12 عاماً.
وأوضح العماد عباس في كلمة اليوم خلال مؤتمر موسكو الـ11 للأمن الدولي أن هذا المؤتمر المهم دليل قوي على حرص روسيا الاتحادية والرئيس فلاديمير بوتين على توطيد دعائم الأمن والاستقرار وإعادة التوازن للعلاقات الدولية، في الوقت الذي يشهد فيه العالم ارتفاعاً في حدّة النزاعات والصراعات في مناطق مختلفة، الأمر الذي يتطلّب من الدول المشاركة في المؤتمر جهوداً إضافية فاعلة وتعاوناً جدياً للوصول إلى الحالة الأمنية الأفضل التي نطمح إليها جميعاً، وتتطلع إليها شعوبنا.
وبين العماد عباس أن الأمن في الشرق الأوسط والقارة الإفريقية والتهديدات والتحديات الإقليمية من الأمور المهمة التي يركّز عليها المؤتمر، وهذا دليل على أهمية ودور هذه المنطقة في تحقيق الاستقرار العالمي، لافتاً إلى أن الأهمية الجيوسياسية لأي منطقة في العالم تلعب الدور الأبرز في تحديد طبيعة وشكل وهدف العلاقات بين دول هذه المنطقة، ودول العالم، وهي انعكاس طبيعي للواقع الجغرافي والسياسي والاقتصادي.
وأشار وزير الدفاع إلى أن منطقة الشرق الأوسط والقارة الإفريقية ذات أهمية إستراتيجية بالغة للعالم أجمع، بسبب موقعها الجغرافي وكثرة الموارد الطبيعية فيها، وقد عانت طوال العقود الماضية حتى الآن من تعقيدات سياسية واقتصادية واجتماعية وتاريخية متنوعة، ما جعلها عرضةً لتهديدات وتحديات كثيرة أهمها الإرهاب والفوضى بسبب وجود عوامل متداخلة فيما بينها أنتجت شكلاً من الفوضى وعدم الاستقرار الداخلي والخارجي.
ولفت وزير الدفاع إلى أنه بعد نجاح الجيش العربي السوري بمساعدة الأصدقاء، وفي مقدمتهم روسيا في دحر العدوان والقضاء على جزء كبير من الإرهاب، لجأت هذه الدول إلى شنّ حرب اقتصادية، وحصار قاتل ضدّ الشعب السوري، وما زالت واشنطن وحلفاؤها مصرين على دعم هذا الإرهاب، موضحاً أن نظرة بسيطة إلى ما يجري اليوم على حدود روسيا تظهر ما أحدثه الغرب في أوكرانيا والتجييش الكبير والدعم المستمر من واشنطن وحلف الناتو للمرتزقة والإرهابيين والنازيين الجدد بالعتاد والسلاح، لندرك أن هؤلاء هم المسؤولون عن كل ما يحدث من دمار وفوضى وانتشار الإرهاب العابر لحدود الدول والقارات.
وقال العماد عباس: إن أحد هذه التحديات والتهديدات الاحتلال الأجنبي الذي يسيطر على أجزاء كبيرة في العديد من الدول، ويعمل على تقويض قوة الدولة المستهدفة، والدليل على ذلك ما يحدث في سورية منذ سنوات عديدة من قبل قوات التحالف الأمريكي الغربي الذي يحتل مناطق مهمة من سورية، ويقوم بسرقة ثرواتنا ومقدرات شعبنا، ويدعم الإرهاب والعصابات المسلحة والميليشيات الانفصالية التي تخدم أهدافه وأجنداته الاستعمارية، ولا يخرج عن هذا السياق الاحتلال التركي لأجزاء من سورية، وما يرتكبه من ممارسات إجرامية في المناطق التي يحتلها، الأمر الذي يشكل انتهاكاً صارخاً للمواثيق والأعراف الدولية واعتداءً سافراً على دولة ذات سيادة واستقلال.
وأوضح وزير الدفاع أن من بين التحديات والتهديدات أيضاً الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ومعاناة شعبها من جرائمه منذ أكثر من 70 عاماً، فهذا الكيان يشكل العامل الأبرز في تهديد أمن منطقة الشرق الأوسط واستقرارها، وهو شريك أساسي للولايات المتحدة في اعتداءاتها على المنطقة، بحجة الحفاظ على أمنه المزعوم ،فكيف يمكن أن يتحقق الأمن بانتهاك القوانين الدولية والاعتداء على سيادة الدول المجاورة، وارتكاب المجازر بحق الإنسانية جمعاء، وقد وصلت جرائم هذا الكيان إلى أفريقيا من خلال التدخّل في شؤونها الداخلية، وتعزيز النزاعات والعمل على خلق حالة من التوتر فيها؟
وأشار العماد عباس إلى أنه من ضمن التحديات والتهديدات سباق التسلّح واختلال موازينه، وخاصةً في ظلّ التطور التقني والإجراءات الاحترازية التي تلجأ إليها الدول لحماية أمنها القومي، إضافةً إلى التوترات الإقليمية وعدم الاستقرار والنزاعات المسلحة والتطرّف والصراعات الدينية والعرقية والهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة، وتهريب الأسلحة والمخدّرات والتهديدات الأمنية في منطقة الساحل الإفريقي، وتحالف الجماعات الإرهابية والأزمات الداخلية في كثير من دول الشرق الأوسط وإفريقيا، والتغيرات المناخية والتحديات الاقتصادية والتنموية والتهديدات في الأمن السيبراني لجميع الدول والتلوث البيئي، موضحاً أن الحديث عن أمن منطقتي الشرق الأوسط وإفريقيا يحتاج إلى حوار ودراسة معمقة للإحاطة بحيثياته وتفاصيله، لإيجاد الحلول والآليات الكفيلة بتحقيقه، بما ينعكس إيجاباً على شعوبها ودولها.
وبين وزير الدفاع أن كيان الاحتلال الصهيوني بممارساته العدوانية وسياساته التوسعية الداعمة للإرهاب والسياسات الأمريكية والغربية العدائية يشكلان العامل الأبرز في تهديد أمن منطقة الشرق الأوسط واستقرارها، وإذا أردنا أن نكون منصفين بالقدر المعقول على الأقل فإنه من الواجب اليوم على المجتمع الدولي وضع حدّ لممارسات كيان الاحتلال، ووقف التعامي عما ترتكبه سلطاته من مجازر داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، واستمرارها في سياسة قضم الأراضي، والتوسّع في إقامة المستوطنات والاعتداء على الحرمات، وانتهاك حرية وإنسانية الشعب الفلسطيني، ولا بدّ من محاسبة هذا الكيان على الاعتداءات المتواصلة التي ما زال يشنّها ولا سيّما على الأراضي السورية والتي من شأنها تقويض أي جهد حقيقي مبذول لترسيخ الأمن والاستقرار.
وأعرب العماد عباس عن شكر سورية وتقديرها لروسيا الاتحادية وجميع الدول الفاعلة والمؤثرة على مستوى العالم أو الإقليم للجهود الكبيرة المبذولة، في إطار مواجهة التهديدات والمخاطر العالمية ولاسيّما السياسات العدوانية الأمريكية ومحاولات التفرّد بالقرار الدولي، والتي نرى بوضوح اليوم انحسارها وانكفاءها وعدم قدرتها على مواصلة الهيمنة والتحكم في ظلّ بزوغ فجر عالم جديد متعدّد الأقطاب وأفول عصر الأحادية القطبية، لافتاً إلى أن سورية تثمّن عالياً حرص روسيا الاتحادية والرئيس بوتين على توحيد الجهود، وتفعيل التعاون بين جميع الدول المعنية، وتنظر بكل أهمية إلى مؤتمر موسكو الدولي للأمن، بوصفه منطلقاً للبناء والعمل الخلاق الهادف إلى ضمان أمن الدول وسلامة أبنائها، والوصول إلى أرقى حالة من التعاون والتشارك والتنسيق.
وشدّد وزير الدفاع على أن سعي دولنا الدائم والمتواصل يجب أن ينطلق من المصالح الوطنية التي لا تتعارض بحال من الأحوال مع مصالح دول الجوار أو أي دولة في أي بقعة جغرافية من العالم، فالاحترام المتبادل هو الأساس الذي تبنى عليه العلاقات بين الدول، والتعاون البناء والتنمية المستدامة، ومواجهة المخاطر والتهديدات معاً هو المنطلق الذي نرتكز عليه في حرصنا على إقامة عالم جديد تسوده القيم والمبادئ السامية، وتنعدم فيه الكراهية والمصالح المحدودة الضيقة، ويجب العمل معاً لخير الأجيال القادمة، فشعوبنا تستحق الحياة وتمتلك مقوماتها، وهي الأحق بتقرير مصيرها ورسم معالم مستقبلها.