حضور المرأة في الكتابة النسوية
سلوى عباس
حظيت المرأة بمكانة هامة في الكتابة النسوية، ولهذا اعتبرت الكتابة هي الميثاق الأنثوي الذي تسعى المرأة فيه إلى إثبات وجودها وذاتها، وصورة المرأة في الكتابة مستمدة من الواقع الذي تعيشه، وتتباين الآراء وتختلف بين كاتبة وأخرى في تناول موضوع المرأة، فبعض الكاتبات لاتثيرهن الموضوعات الاجتماعية البحتة ولا يكتبن عنها إذ لا يشعرن أن للمرأة هموماً، وأن هناك موضوعات معاصرة أكثر إلحاحاً وأهمية من هموم المرأة وهموم الجسد، وهذه الموضوعات ينظرن إليها كموضوعات مستهلكة في زمن أصبح العالم يعيش في جزيرة واحدة، وحياتنا المعاصرة لم تعد تفرز هذه الأجواء وهذه الهموم، إذ أصبح هناك معطيات أخرى في حياة المرأة المعاصرة، وهموم المرأة الآن من وجهة النظر هذه مختلفة، وما يكتب عنها يبدو كما لو أنه من القرن الماضي وليس معاناة المرأة الآن، بمعنى أن استقلالها الاقتصادي يجعلها أقوى في مواجهة الرجل وتكون شخصيتها أكثر وضوحاً داخل الأسرة.
كاتبة أخرى تتقاطع في رؤيتها مع الفكرة السابقة إذ ترى مهمتها ككاتبة أن تتمثل الحالات الإنسانية كلها، وتعزو السبب في عدم كتابتها عن وجع الأنثى ومعاناتها لإبعاد الشبهة عنها ككاتبة امرأة وبررت ذلك بأن النظرة العامة للمجتمع أن المرأة الكاتبة ستنحاز لصالح المرأة ولصالح قضيتها، لذلك هي لا تحصر نفسها بموضوع أنها امرأة وواجب عليها أن تعبّر عن المرأة، فالأمر بالنسبة لها قضية مجتمع أكثر مما تراها قضية امرأة أو رجل وأن المجتمع يكمل بعضه.
حول هذه الأفكار سألت إحدى الأديبات عن قراءتها لتجربة المرأة العربية وتحديداً في الإبداع الأدبي فيما إذا كان وعي المرأة لذاتها شكّل لها خصوصيتها؟ أم أن هناك عوامل أخرى تقرأها من منطلق تجربتها ككاتبة فأجابت:
إن ثورة المرأة والانفتاح بدأت بعد خمسينيات القرن الماضي، فأصبحت تعي ذاتها أولاً ومن ثم المجتمع الذي حولها، وتعي أيضاً المظالم التي تصيب المرأة في مجال عملها، من هنا تكونت ثقافة معينة عند المرأة هي ثقافة البوح أو ثقافة الجرأة أن ترفع صوتها، كما نشأت عوامل كثيرة أدت إلى ظهور كاتبات من الطبقة الكادحة، الطبقة الوسطى، ولم تعد الكتابة مقتصرة على نساء الصالونات، وصارت المرأة تكتب عن ألمها وألم المجتمع وعن العادات والتقاليد والقيم، وفي الفترة الأخيرة شكلت عبر مواضيعها ليس فقط هويتها بل شكلت أسلوباً وحالة تخصها وحدها.
وعن مدى تأثير كتاباتها بالمرأة وجعلتها حاضنة لجيل يعي الواقع المعاش، ويعرف كيف يتعامل معه ويميز الخطأ من الصواب فيه، أضافت: كل كاتبة لها رسالة في الحياة، وربما رسالتي بدأت مع لحظة بدايتي في الكتابة كحالة من وعيي لذاتي ولمحيطي وللبيئة من حولي، لذلك يجب أن يكون لي صوت ورأي مهمتي إيصاله للآخر، وإذا لم يصل فإن رسالتي تكون غير مكتملة، يجب أن أغيّر بالآخر نحو الأحسن كما غيرتني الكتب التي قرأتها، عليّ أن أغير بالقارئ نحو الأحسن، خاصة وعي المرأة لشخصيتها وكينونتها وهويتها واسمها واحترامها لذاتها لتنشئ جيلاً يحترم وطنه وبلده، هذه كلها قيم علينا أن نضمنها لأدبنا، وأنا أتقصد أن أكتبها بشكل مرمّز حتى لا تكون بالصيغة المباشرة المنفّرة، فأتسلل إلى الرموز التاريخية والقصص الأسطورية والشعبية لأوصلها للجيل الجديد، لكن كل ذلك لا ينفع إذا لم تكن الكاتبة تتمتع بالثقافة العالية والأسلوب الشيق، ونحن ككتاب مسؤولون عن النضال من أجل الإنسان والقيم والأخلاق في زمن الضياع والفوضى هي السائدة فيه اليوم، فالكلمة مثل الرصاصة بل هي أقوى لأنها تبقى للمستقبل.
وتأكيداً على هذا الكلام تحضرني رؤية للكاتبة فاطمة المرنيسي حيث تقول: “أنا أرى أن الأدب الذي تكتبه المرأة، مهما كان جريئاً، إن لم يأخذ دوره في التغيير المجتمعي، والتركيبة الوجدانية الأخلاقية للمجتمع فإنه يكون أي شيء إلا أدب. وهذا الهذر الرومانسي الناعم، أو هذه العصبية اللغوية المستفزة التي تمتلئ بها الكتب ليس إلا دليلاً آخر على فشل الأدب النسوي العربي”.