اقتصادصحيفة البعث

حين تكون “الضريبية” في مطارحها المناسبة!

قسيم دحدل

أثار قرار الحكومة الإيطالية فرض ضريبة استثنائية على المصارف الإيطالية، مؤخراً، تساؤلاً مشروعاً نضعه على طاولة الحكومة للمداولة والدراسة، خاصة وأن القرار جاء استناداً للأرباح الاستثنائية التي حقّقتها المصارف.

القرار الذي اتُخذ على عجل، كان يستهدف اقتطاع 40% من صافي أرباح البنوك، تمّ التخفيف من حدّته لاحقاً، فأصبح بحدّ أعلى 0.1% من صافي أصول المصرف.

والمفاجأة – كما تناولها المختصون – في قرار الحكومة الايطالية لم يكن في هذه الضريبة بحدّ ذاتها، بل في تطبيق الضريبة على البنوك، وهي الضريبة الاستثنائية التي يتمّ تطبيقها عادة في عدد من الدول على قطاعات اقتصادية أخرى غير المؤسّسات المالية، فهي في الأغلب تُفرض على شركات النفط والطاقة والتعدين والاتصالات والكهرباء.

الجدير ذكره أن فكرة الضرائب الاستثنائية – كما يراها بعض المشرّعين الحكوميين – هي أن هناك أحياناً حالات يجب على الدولة التدخل فيها للحصول على جزء من الثروة الاستثنائية المتحققة لأحد القطاعات الاقتصادية. ورغم أن هناك ضرائب نظامية مقرّة بحق جميع الأنشطة الاقتصادية والمالية، إلا أن الظروف الاقتصادية المتقلبة تنتج عنها بين الحين والآخر حالات استثنائية تؤدي إلى أرباح غير طبيعية، وبالتالي ينظر إلى هذه المسألة على أنها فوائد مالية استثنائية خارج الأطر الضريبية المقرّة، لذلك يجب اقتطاع جزء منها لمساعدة المتضرّرين من الأسعار المرتفعة التي بدورها أدّت إلى تحقيق الأرباح الاستثنائية.

كثيرون يؤيّدون فكرة إيجاد آلية مناسبة لاستفادة الحكومة من الأرباح الاستثنائية التي تحققها بعض القطاعات، بما في ذلك قطاع البنوك، وذلك من منطلق أن في ذلك فائدة للمستهلك النهائي الذي، في حقيقة الأمر، هو من أسهم في تحقيق تلك الأرباح، ولكن هناك اختلافاً حول الآلية. وهناك بالطبع من يعارض الفكرة بشكل كامل، وهناك من يرى أن نسبة الضريبة النظامية كافية، لأنه مع ارتفاع الأرباح ترتفع متحصلات الضريبة لمصلحة الحكومة، بمعنى أن الحكومة هي الأخرى تستفيد من ارتفاع الأرباح، إلى جانب أن هناك من يتساءل: هل كانت الحكومة ستتدخل لمساعدة تلك الشركات في الأعوام التي تكون فيها الأرباح متدنية؟

فيما يخصّ البنوك، خصوصاً، من المعروف أنها تحظى باهتمام من قبل الحكومات في كلّ مكان، وهي من المؤسّسات التي يقال عنها إنها أكبر من أن تترك لتنهار وتفلس. وبالتالي، ليس بالأمر المبالغ فيه إن تمّ اقتطاع ضرائب استثنائية تحت ظروف معينة من باب ردّ المعروف، فهي تحقق أرباحاً ضخمة مع ظروف عملها السهلة عديمة الابتكار، بينما نجد قطاعات اقتصادية وصناعية أخرى منتجة في ظروف عمل أصعب وأرباح أقل ونسبة الضريبة تكاد تكون واحدة.

من جانب آخر، لا ننسى أنه في أوقات الأزمات المالية نجد الحكومات، من خلال البنوك المركزية، تأتي لنجدة البنوك ومدّها بالسيولة اللازمة لتجاوز الأزمة، فما الذي يمنع من فرض ضرائب استثنائية بحسب ضوابط معينة، أو إعادة تصميم النظام الضريبي بحيث يمكن اقتطاع ضرائب مناسبة تتماشى مع حجم الأرباح المتحققة؟.

عود على بدء، نرى بدورنا أنه، وبناءً على الواقع الضريبي في سورية، والذي يتصف بعدم العدالة لناحية شمول الكلّ بالضرائب، دون أي اعتبار أو حساب لحجم وإمكانيات هذا النشاط الاقتصادي أو ذلك، وعدم التفريق إن كانت الفعالية الاقتصادية والمالية، صغيرة أم كبيرة، فرداً أم شركة أو مؤسسة، وسواء كانت الأرباح قليلة أو كبيرة استثنائية، نرى من الحكمة والضرورة الأخذ بالضريبة الاستثنائية، خاصة وأن هناك الكثير من (الاستثناءات) التي تحقق يومياً الكثير من الأرباح الاستثنائية غير المسبوقة، أما “الاستقواء الضريبية” على الصغير، فلا شكّ لن تؤدي للتعمير!!.

Qassim1965@gmail.com