دراساتصحيفة البعث

هيكل سليمان.. تراث معماري كنعاني

د. معن منيف سليمان

أثبتت الدراسات التاريخية أن الجماعات اليهودية ومن يستندون إليهم في حقّهم التاريخي المزعوم (العبرانيون، والإسرائيليون) عاشوا جميعاً غرباء ودخلاء في أرض فلسطين، ومن يطّلع على قصة النبي إبراهيم الخليل في أسفار التوراة يدرك أنّه عاش حياة تنقّل وارتحال وغربة في أرض كنعان (فلسطين)، ومات ولم يمتلك شبراً واحداً من هذه الأرض “ثم تغرّب إبراهيم في أرض الفلسطينيين أياماً كثيرة”. تكوين 21: 34. حتى أنه اضطرّ لشراء قبر يدفن فيه زوجته سارة “أنا غريب ونزيل عندكم أعطوني ملك قبر معكم لأدفن ميتي من أمامي”. تكوين 23: 4.

وإن كل ما امتلكوه من مقومات ثقافية: بعض البقايا العمرانية، واللغة مقتبس عن الحضارة العربية القديمة: السومرية، البابلية، الكنعانية. حتى الأسماء الواردة في التوراة، سواء أكانت أسماء أشخاص أم أسماء أماكن قديمة في فلسطين، ما هي إلا أسماء كنعانية وبابلية عربية قديمة، يرجع تاريخها إلى ما قبل ظهور اليهود واليهودية بأكثر من ألفي عام. ومنها: أورشليم (القدس)، حبرون (الخليل)، صهيون، غزة، جتّ، أشدود، عقرون، أريحا، أشقلون (عسقلان)، تل أبيب، عكا، حيفا، يافا وغيرها.

كما نسبوا إلى أنفسهم أسماء كنعانية عربية الأصل قد نسبت إلى إله الكنعانيين العظيم “إيل”، مثل: إسرائيل، صموئيل، قدميئيل، شألتئيلن طبئيل، يحزيئيلن ميخائيل، يحيئيل، يعيئيل، أريئيل، ايلعازر، بصلئيل، أوئيل، عزرئيل، حننئيل، مشيزبئيل، عزيئيل، مهيطبئيل، ميشائيل، مهللئيل، ايثيئيل، يوئيل، يقبصئيل، برخئيل، عمانوئيل، حنمئيل، عبدئيل، دانئيل، جبرائيل، أربئيل، فثوئيل، عثنيئيل.. إلخ.

ونسبوا بعضاً من أسمائهم إلى الإله الكنعاني “البعل” مثل: اشبعل، مربعل، بعل يدع. ومنها إلى إله الشمس “شمش” مثل: شمشون. وإلى الإله البابلي “مردوخ” مثل: مردخاي وهكذا سائر الأسماء التي يظنّ بعضنا أنها “عبرية”.

وفي المرحلة الذهبية لحكم بني إسرائيل، التي أسّسوا فيها مملكة داود وسليمان (1000ـ 930 ق.م) على بعض أجزاء من أرض فلسطين، فإنهم لم يخلّفوا أيّ أثر عمراني خاص بهم، فلما بدأ داود ببناء مقرّه وهمّ ببناء الهيكل استعان بالبنائين الكنعانيين الذين زوّدوه بالخشب اللازم. “وأرسل حيرام ملك صور رسلاً إلى داود وخشب أرز ونجارين وبنّائين فبنوا لداود بيتاً”. صموئيل الثاني 5: 11.

وحينما شيّد سليمان الهيكل الذي بناه على غرار الهيكل عند الكنعانيين، واختار له مكاناً مرتفعاً، على طريقة الكنعانيين أيضاً، فإنه استعان هو الآخر على بنائه بحيرام ملك صور الكنعاني، الذي أمدّه بكل ما يحتاج لبناء الهيكل “عمل حيرام المراحض والرفوش والمناضح وانتهى حيرام من جميع العمل الذي عمله للملك سليمان لبيت الرب”. الملوك الأول 5: 40. “فكان حيرام يعطي سليمان خشب أرز وخشب سرو حسب كل مسرته”. الملوك الأول 5: 10.

وبقي هذا الهيكل قائماً حتى دمّره نبوخذ نصر سنة (586 ق.م)، ونفى زعماء مملكة يهوذا في القدس وقسماً من سكانها إلى بابل، وهو ما عُرف في التاريخ القديم باسم “السبي البابلي الثاني”. أمّا الأول فكان في سنة (722 ق.م) عندما قضى الآشوريون على مملكة إسرائيل في السامرة، ونفي قسم من الإسرائيليين (وليس اليهود) إلى العراق.

إذاً كان الهيكل بما له من أهمية دينية مساهمة من حيرام ملك صور الكنعاني، وقد بناه على غرار البناء الكنعاني في بناء المعابد في ذلك الوقت، وبأيدي عمال وبنائين كنعانيين، فأين هو الإنجاز العمراني للإسرائيليين؟. مؤكّد أن الإسرائيليين لم يتركوا أيّ إنجاز عمراني خاص بهم، ولهذا لم تستطع جهود المنقّبين جميعها أن تكشف أيّ أثر غير كنعاني على الإطلاق في فلسطين، ما لا يدع مجالاً للشك أن مملكة إسرائيل هذه لم تكن إلا مجتمعاً كنعانياً.

وحول هذا الموضوع، خرج علماء الآثار الإسرائيليون بنظرية جديدة، تقول إن السبب الرئيسي لعدم العثور على مستندات آثارية يهودية في فلسطين يعود إلى أن يهود الأمس قد تبنّوا الحضارة الكنعانية القديمة في فلسطين لأن حضارتهم “العبرية” البدوية كانت أضعف من أن تنافس الحضارة الكنعانية، وتبنّيهم لهذه الحضارة أدّى إلى تطوير الحضارة الكنعانية نفسها حيث نتج عنها حضارة يهودية، ولكن بلباس كنعاني، وهذا افتراض لا يصمد أمام الحقائق التاريخية والآثارية.