إفريقيا تتمرد على الاستعمار الغربي
هيفاء علي
كشفت القمة الروسية الإفريقية في سان بطرسبرغ أن إفريقيا أصبحت قارة مهمّة وساحة للألعاب الجيوسياسية، كما كشفت كيف تخلّت روسيا، أيضاً، عن مركزيتها الأوروبية السابقة، وكأنها تحترم الإرث السوفييتي، واتجهت مرة أخرى إلى إفريقيا.
مع التنويه بأن علاقة روسيا الطويلة مع الدول الإفريقية تعود إلى عام 1960، عندما أسّس الاتحاد السوفييتي جامعة الصداقة بين الشعوب، التي قدّمت التعليم العالي للطلاب من البلدان التي حصلت على استقلالها من الحكم الاستعماري. واليوم، يشهد العالم أخيراً وضعاً يتمّ فيه طرد القوى الغربية في الحقبة الاستعمارية من إفريقيا من قبل الأفارقة أنفسهم، وكانت البداية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر، التي انهالت الانتقادات الغربية عليها اليوم، ومن المتوقع أن تحذو حذوها دول أخرى مع مرور الوقت واستمرار ضعف النفوذ الغربي في المنطقة.
والسؤال الذي يطرحه المراقبون هو: هل ستتمكن إفريقيا أخيراً، التي تُعتبر دائماً حفرة لا نهاية لها للإثراء الشخصي للنخبة الحاكمة الغربية، من تحديد مصيرها واستخدام مواردها الطبيعية لتطوير الحضارة الإفريقية؟ وهل سيتحقق الحلم حول إفريقيا قوية ومستقلة؟ حيث يتساءل الجيل الجديد كيف أصبحت إفريقيا، أفقر قارة في العالم وهي التي تمتلك كماً هائلاً من الثروات الطبيعية، والتي يضطر قادتها إلى الذهاب للتسول في الخارج؟.
الوضع الحالي هو في النهاية خطأ الدوائر المالية الدولية والعائلات القوية التي سعت إلى امتلاك كلّ شيء على هذا الكوكب، بغضّ النظر عن العواقب، وقد تذرّع الضباط العسكريون الذين أطاحوا بالأنظمة العميلة “الديمقراطية” المدعومة من الغرب في بلدان مختلفة بالأسباب نفسها لتبرير انقلاباتهم، لقد تصرفوا لأنهم كانوا قلقين بشأن تصاعد الإرهاب والتخلف الاجتماعي والاقتصادي المزمن في وطنهم.
منطقة الساحل، على سبيل المثال، هي واحدة من أغنى مناطق العالم من حيث الموارد الطبيعية، مثل النفط والذهب واليورانيوم، لكنها أيضاً واحدة من أفقر المناطق اقتصادياً، إذ يحمّل القادة الجدد لهذه المستعمرات السابقة وأنصارهم فرنسا مسؤولية كبيرة في هذا الوضع، حيث استمرت في ممارسة نفوذها على البؤر الاستيطانية السابقة، واستبدلت الحكم الاستعماري المباشر بأشكال أكثر دقة من السيطرة الاستعمارية الجديدة، وقبل كلّ شيء العملة.
على الرغم من أن إنهاء الاستعمار في إفريقيا أدى إلى تبني الدول الإفريقية للعملات الوطنية، إلا أن فرنسا نجحت في إقناع معظم رعاياها السابقين في وسط وغرب إفريقيا بالاحتفاظ بعملة استعمارية “الفرنك الفرنسي”، وعندما حاولت عدة دول التخلي عن هذه العملة، بذلت فرنسا كلّ ما في وسعها لمنع التحول إلى العملات الوطنية. وهكذا، استندت العلاقات بين فرنسا وأتباعها في إفريقيا إلى التخويف وحملات زعزعة الاستقرار والانقلابات وحتى الاغتيالات من قبل الدولة الأوروبية المستعمرة سابقاً. كما تمّ استخدام التكتيكات نفسها في إفريقيا من قبل دول غربية أخرى، مثل بريطانيا والولايات المتحدة. هكذا أعاقت “الإمبريالية النقدية” الغربية تطور الاقتصادات الإفريقية وأبقتها تحت سيطرة النخبة الأنانية التي تهيمن عليها فرنسا والقوى الغربية الأخرى.
وكما لو كان للتأكيد على رفض هذا الماضي، قام القائد العسكري الحالي في مالي، بطرد الجيش الفرنسي، وقطع العلاقات الدبلوماسية، بل وحظر اللغة الفرنسية كلغة رسمية. وفي بوركينا فاسو، طرد الزعيم الثوري الشاب إبراهيم تراوري القوات الفرنسية وحظر العديد من الصادرات، فهل سيتمكّن هذا الجيل الشاب الغاضب من إكمال عملية إنهاء الاستعمار التي بدأت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي في إفريقيا الناطقة بالفرنسية؟.