حل الدولتين.. أمل قد لا يتحقق
ريا خوري
بعد قيام عصابات الهاغانا والأراغون بعملياتهم الإجرامية في فلسطين التاريخية ضد أبناء شعبنا العربي الفلسطيني بدعم لا محدود من الغرب الأوروبي الأمريكي، تشكّل كيانان سياسيان: الأول تمّ إنشاؤه بعد حرب عام 1948 وهو الكيان الصهيوني على ما نسبته 78% من أرض فلسطين التاريخية، متجازواً ما خصّصته عصبة الأمم المتحدة للكيان في قرار تقسيم فلسطين عام 1947. أما الكيان الآخر، فهو دولة فلسطين الذي لم تنل استقلالها الفعلي بعد، بسبب احتلال العدو الصهيوني للضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية منذ حرب الخامس من حزيران عام 1967.
ونتيجةً للصراعات والنزاعات والتدخلات الدولية تمّ وضع اقتراح يقوم على “تراجع العرب” عن مطلب تحرير كامل فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر، وإقامة دولتين في فلسطين التاريخية، وهو ما تمّ إقراره بقرار مجلس الأمن رقم 242 بعد حرب الخامس من حزيران 1967، وسيطرة القوات الصهيونية على باقي أراضي فلسطين التاريخية. وكان بعض الفلسطينيين قد اعتمد هذه المبادئ في عام 1974 بالبرنامج المرحلي للمجلس الوطني الفلسطيني، والذي عارضته بعض الفصائل الفلسطينية حينها، حيث شكّلت ما يُعرف بجبهة الرفض. لتصبح فيما بعد مرجعية المفاوضات في اتفاق أوسلو الذي عُقِدَ عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني برعاية أمريكية وأطراف دولية أخرى.
كانت العديد من القوى الوطنية الفلسطينية والعربية ومن العالم الحرّ قد أدانت الكيان الصهيوني لرفضه حلّ القضية الفلسطينية على تلك الأرضية.
الجدير بالذكر أنّ حكومة الكيان السابعة والثلاثين التي تمّ تشكيلها في 29 كانون الأول عام 2022 هي أكثر الحكومات تطرفاً، وهي اليوم تتعامل مع الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية بعنصرية مفرطة وأسلوب رافض لأي حقّ فلسطيني قافزة على كلّ القوانين والاتفاقيات الدولية.
كلّ ذلك جاء تعبيراً عن السياسة التي جهر بها نتنياهو بشكلٍ واضح، حين أعلن أنه يجب العمل بشكلٍ فوري وجاد على اجتثاث فكرة إقامة الدولة الفلسطينية، وقطع الطريق على تطلعات الفلسطينيين لإقامة دولة مستقلة لهم. هذا التصريح لم يلق أية إدانة، سواء عربياً أو دولياً، على الرغم من شدّته وتعارضه مع المواقف السياسية المعلنة للدول العربية والغربية على حدّ سواء في ما يخصّ الحفاظ على مسألة حلّ الدولتين.
وهذا يؤكد أن الكيان الصهيوني يسعى بكل جهده لإنهاء مسألة حلّ الدولتين، وذلك عبر توسيع رقعة الاستيطان، ومصادرة الأراضي والعقارات في الضفة الغربية، وخاصة مدينة القدس الشرقية، واستمرار مسلسل التهويد الذي يقوم به الكيان الصهيوني على قدمٍ وساق ودون سماع نداءات العديد من دول العالم.
لقد وصل عدد المستوطنين في مستوطنات الضفة الغربية بما فيها القدس إلى نحو 726 ألفاً و427 مستوطناً، موزعين على مائة وست وسبعين مستوطنة، ومائة وست وثمانين بؤرة استيطانية، منها ست وثمانون بؤرة رعوية زراعية، وذلك حتى بداية عام 2023.
وفي عام 2022 فقط، أقام المستوطنون الصهاينة نحو اثنتي عشرة بؤرة استيطانية في الضفة الغربية، في حين تمت (شرعنة) بؤرتين استيطانيتين: الأولى شرقي رام الله، في حين تعتزم الحكومة الإسرائيلية شرعنة خمس وستين بؤرة استيطانية في الضفة الغربية ومدّها بالمياه والكهرباء والبنية التحتية والهاتف وتعزيزها بـما أطلق عليه “تدابير أمنية”، وذلك كجزء من الاتفاق الذي وقعه حزبا “الليكود”، و”القوة اليهودية” عند تشكيل الائتلاف الحكومي في الكيان.
عملياً لم يعد حلّ الدولتين قائماً أو ممكناً، أو هكذا يسعى الكيان الصهيوني لتثبيته كأمر واقع تحت كلّ الضغوط، وذلك في ظل اتساع رقعة الاستيطان، وفي ظل التهويد المستمر والممنهج لمدينة القدس الشرقية، التي يُفترض أن تكون عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية المأمولة، ناهيك عن عمليات التهويد والتهجير التي تجري لسكان المدينة، والتي هي عملية تطهير عرقي، وذلك بما يمكّن الكيان من السيطرة على المدينة بشكلٍ كامل، ووأد أية مقاومة لتهويد المسجد الأقصى وقبة الصخرة بعد ذلك.
إن ما يطرحه الكيان الصهيوني كبديل للدولة الفلسطينية هو “كانتونات”، وجيوب كونفدرالية ضيّقة وصغيرة، وذلك عبر عملية تداول لبعض الأراضي، بحيث تدار من خلال الوصاية عليها، وليس دولة ذات سيادة لها شعب وإقليم واضح ومحدّد جغرافياً. كما يرفض الكيان وجود أية سيادة للفلسطينيين على هذه الدولة أو “شبه الدولة”، سواء عسكرياً أو أمنياً أو سياسياً.
الواضح بالأمر أن الكيان الصهيوني قد نجح في الترويج لهذه الفكرة غربياً، وخاصة داخل الأوساط الأميركية، وهي تستغل الصراع الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية، سواء بين الجمهوريين والديمقراطيين، أو داخل الحزب الديمقراطي، ذاته من أجل التحرك والدفع بهذه الأطروحة التي تلغي كافة المبادرات التي تمّ تقديمها لحلّ الصراع الفلسطيني- الصهيوني.