قمة كامب ديفيد ترسم ملامح حرب باردة جديدة
عناية ناصر
سيعقد رؤساء الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية غداً الجمعة اجتماعاً في كامب ديفيد، المكان الذي غالباً ما يقضي فيه رؤساء الولايات المتحدة عطلاتهم. ويعتبر هذا النوع من القمة الأول في تاريخ هذه الدول الثلاث. ووفقاً لتقارير وسائل الإعلام اليابانية، ستتفق اليابان والولايات المتحدة على تطوير صاروخ اعتراض بشكل مشترك “لمواجهة الرؤوس الحربية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت التي تطورها الصين وروسيا وكوريا الديموقراطية”. أما الأمر التنفيذي الخاص بفرض قيود على الاستثمار في الصين، والذي تم توقيعه مؤخراً من قبل الرئيس الأمريكي جو بايدن، فإن آثاره السلبية تنتشر وتختمر.
تتميز جميع الإجراءات والتدابير السياسية للولايات المتحدة المذكورة أعلاه بلون “حرب باردة جديدة” قوية وتُظهر اتجاهاً للاستمرارية والشدة المتصاعدة، فهل يمكن وصفها بأنها أفكار أو أفعال “حرب باردة جديدة”؟ يمكن تمييز ذلك من خلال المعايير الأربعة التالية:
- أولاً، هل هي منافسة تصادمية محصلتها صفر أم منفعة تعاونية متبادلة؟
- ثانياً، هل تتضمن تحديداً أيديولوجياً أم تبادلاً متساوياً، وتعلماً متبادلاً، وتعايشاً سلمياً بين الحضارات المختلفة؟
- ثالثاً، هل تخلق مجموعات وتحالفات للمواجهة أم أنها تعزز الانفتاح والشمولية وبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية؟
- رابعاً، هل تلجأ إلى الاحتواء والقمع ضد المنافسين المتصورين، أم أنها تشارك في منافسة حميدة وسليمة في نطاق القواعد والمبادئ الدولية؟
مثلما أصبحت دقات طبول “الحرب الباردة الجديدة” أكثر تواتراً ورائحة البارود أكثر اختناقاً، أكدت شخصيات بارزة في البيت الأبيض، بما في ذلك الرئيس بايدن، في مناسبات مختلفة أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة، وأن الولايات المتحدة يجب أن ترفض الاحتواء الجديد، وأن على واشنطن أن تتعلم من دروس الحرب الباردة وأن بناء التكتلات القديمة في الحرب الباردة ليس متماسكاً. لكن هذا خلق مشهداً غريباً، حيث لا يعتبر مجرد خروج بل تناقض بين أفعال وتصريحات الولايات المتحدة، وكذلك بين التقييم الذاتي الأمريكي والانطباعات الحقيقية للعالم الخارجي عنها. هذه القضية تتجاوز النفاق الأمريكي أو نقص الوعي الذاتي، حيث أنها تنطوي على مخاطر أساسية كبيرة.
هناك على الأقل إثنين من الاحتمالات:
- الأول هو أن الولايات المتحدة تعلم أنها منخرطة في “حرب باردة جديدة” وتدرك جيداً أن الناس في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الأمريكيين، يعارضون بشدة ويساورهم قلق عميق بشأن “حرب باردة جديدة”. بعبارة أخرى، تدرك الولايات المتحدة أن هذه مهمة تنطوي على مخاطرة كبيرة، وبالتالي لن تعترف بها أبداً. بدلاً من ذلك، فإنها قد تبرر أفعالها وتصفها بمصطلح جديد لخداع العالم.
- الثاني هو أن الولايات المتحدة قد بدأت بالفعل “حرباً باردة جديدة”، لكنها لا تعتقد حقاً أنها تخوض “حرباً باردة جديدة”. سيكون لهذا عواقب أكثر خطورة من السيناريو الأول، لأن الولايات المتحدة لا ترفض فقط التفكير وتغيير مسارها، ولكنها ستكتسب أيضاً دافعاً أخلاقياً أقوى من التنويم المغناطيسي الذاتي.
وعليه، من أجل إيقاظ الولايات المتحدة من سباتها المزعوم أو الحقيقي، يحتاج المجتمع الدولي إلى تقوية مقاومته وانتقاده ضد بدء الولايات المتحدة بـ “حرب باردة جديدة” واتخاذ إجراءات. وبغض النظر عما يقوله أو يفكر فيه الإستراتيجيون الدبلوماسيون الأمريكيون، فإن أفعالهم تتجلى بشكل واضح . على سبيل المثال، عند مواجهة تحديات دولية، لا سيما عند التعامل مع دول لها نفس القوة مع الولايات المتحدة ولكن لديها خلفيات سياسية وثقافية مختلفة عن الولايات المتحدة، فإنهم عادةً ما يشيرون إلى تجربة الحرب الباردة، بل إنهم يلجأون أحياناً بشكل مباشر إلى تكتيكات الحرب الباردة، دون أن يتخلوا عن فكر الحرب الباردة، على الرغم من أنهم قد يعرفون أن هذا خطأ وخطير.
يشير مقال في المجلة الأمريكية “فورين أفيرز” إلى أن تاريخ الحرب الباردة أصبح قيداً يقيد الطريقة التي ينظر بها الأمريكيون إلى العالم، بما في ذلك جعل الأمريكيين يكافحون لفهم المناطق الرمادية بين الأصدقاء والأعداء، مما يجعل المفاوضات مع المنافسين تبدو وكأنها تنطوي على مخاطر كبيرة وجعل من الصعوبة بمكان على الأمريكيين تخيل سياسة خارجية أقل عسكرة.
كلما تعمق سوء فهم التاريخ والواقع، كلما زادت قيود وإساءة فهم تفكير الحرب الباردة على صناع القرار في السياسة الخارجية الأمريكية، حيث يجعل التفكير الثنائي من المستحيل فهم تعقيد وثراء عالم متعدد الأقطاب، ويفتقر بشدة إلى الخيال للمستقبل. لقد شوهت الاستراتيجيات والمقاربات الدبلوماسية التي تمت صياغتها بناءً على ذلك السياسة الدولية، وبشكل أكثر تحديداً، أساءت واشنطن فهم التاريخ، وأساءت تقدير الأوقات، وأساءت فهم الحزب الشيوعي الصيني والشعب الصيني.
إن القوة التدميرية لـ “الحرب الباردة الجديدة” ذات مستوى عالمي، ومصير البشرية جمعاء يقف عند مفترق طرق. قد تعتقد النخب السياسية الأمريكية أن الولايات المتحدة كانت الفائز في الحرب الباردة، وهو أمر مثير للجدل، ولكن من المؤكد أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تكون الفائز في “الحرب الباردة الجديدة” ويجب أن تتحمل المسؤولية التاريخية عن خيارات اليوم.