الذكاء الاصطناعي .. هل يستطيع الأوروبيون منافسة الولايات المتحدة الأمريكية؟
هيفاء علي
إن تطوير أدوات جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي من قبل الأوروبيين يشكل مكسباً كبيراً في سيادة القارة العجوز، ويمثل كذلك عاملاً مهماً لضبط وتقنين هذه التكنولوجيا الحديثة على المستوى الدولي، لكن هل لدى الأوروبيين القدرة على منافسة أكبر الشركات الأمريكية التي تنشط في ولاية كاليفورنيا؟
أكدت وكالة “ماكنزي” المتخصصة بمساعدة الشركات في الاستثمار أن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي يمكن أن يجني للاقتصاد العالمي أرباحاً قد تقدر ما بين 2600 إلى 4400 مليار دولار سنوياً أي حوالي 2350 إلى 3990 مليار يورو. وأضافت نفس الوكالة أن الـ 12 مليار دولار التي استثمرت في هذا المجال من شهر كانون الثاني لغاية أيار 2023 الماضيين ذهبت كلها إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وبحسب خبراء فرنسيين، فإن هذا المشهد التكنولوجي الذي تسيطر عليه الشركات الأمريكية الكبرى، تطوير “روبوت فرنسي” مثل “تشات جي بي تي” قد يسمح لفرنسا بالقيام بخطوات عملاقة فيما يتعلق بالحفاظ على سيادتها الرقمية.
ويرى المراقبون أن هناك إمكانية لأن تتجسد طموحات ماكرون في مجال الذكاء الاصطناعي على أرض الواقع قريبا.
وأضافوا أن هناك على الأقل شركتين في مجال التكنولوجيا بصدد تطوير تطبيق “تشات جي بي تي” فرنسي أو ربما قد توصلتا إلى ذلك، كما أن هناك مشاريع مماثلة تم إطلاقها في ألمانيا وأنه سيتم تسويق هذه التقنيات خلال العام المقبل.
إلا أن المتخصص في القضايا الرقمية في معهد العلوم السياسية في باريس، فابريس إيبليون، غير مقتنع بأن فرنسا قادرة على تطوير روبوت يشبه روبوت “تشات جي بي تي”.
ففي مقال نشره في جريدة “لوموند” الفرنسية، كتب أن كاليفورنيا (يقصد الشركات الأمريكية العالمية في مجال التكنولوجيا المتواجدة في كاليفورنيا) متقدمة كثيراً في هذا المجال ولا داعي إذن لمنافستها، منوهاً أنه حتى في حال تمكنت شركة أوروبية من تطوير روبوت يشبه “تشات جي بي تي”، فسيتم شراؤها في الحين من قبل عمالقة التكنولوجيا الأمريكيين.
وأضاف أنه بفضل الأموال الهائلة التي تملكها شركات التكنولوجيا في الولايات المتحدة الأمريكية، فهي قادرة على وضع عدة مليارات على الطاولة لشراء أية شركة أخرى، أي الشركات التي تقوم بتطوير الذكاء الاصطناعي.
فعلى سبيل المثال، أنفقت شركة “غوغل” 300 مليون دولار لشراء الشركة الناشئة والمتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي “أنتروبيك”، ومليار دولار لشراء شركة “رانوي” التي تعمل في نفس المجال، أي ما يعادل الظرف المالي الذي خصصته فرنسا في 2018 من أجل تطوير الذكاء الاصطناعي.
وأضاف فابريس إيبليون أنه يتعين على الأوروبيين ألا يحاولوا منافسة الأمريكيين على أرضية ملعبهم، والاكتفاء باقتراح شيء آخر، وأن الحل الأمثل يكمن في تطوير برنامج مستقل في مجال الذكاء الاصطناعي يختلف عن البرنامج الأمريكي، شريطة أن يتم تقاسم هذا البرنامج بين العديد من الدول الأوروبية.
هذا، وسبق لواشنطن أن استخدمت الشركات الرقمية الأمريكية الكبرى لمراقبة أشخاص يعيشون خارج الولايات المتحد، وتشير بعض المعلومات التي كشفها إدوارد سنودن في 2013 أن الوكالة الوطنية للأمن القومي الأمريكي تعاونت مع شركات مثل “غوغل”، و”فيس بوك” من أجل الحصول على بيانات لمستخدمين يعيشون خارج الولايات المتحدة ويشتبه بتهديدهم بضرب الأمن القومي الأمريكي. وقد أثارت عمليات المراقبة هذه قلقاً شديداً بشأن احترام الحياة الشخصية للناس والسيادة الرقمية للدول الأوروبية.
وإذا كانت العلاقات الثنائية الأمريكية-الأوروبية قد شهدت نوعاً من الصعوبة في ظل حكم الرئيس السابق دونالد ترامب، فعودة الديمقراطيين إلى الحكم في 2021 سمح بعودة الثقة بين الطرفين، خاصة وأن الرئيس بايدن أظهر إرادة في التعامل مع الأوروبيين في بعض القضايا الدولية، مثل حقوق الإنسان.
ولكن بحسب فابريس إيبليون “مهما كانت هوية المسؤول الذي يحكم البيت الأبيض، فالولايات المتحدة ستبقى دائماً قوة أجنبية”.
والدليل أنه تم التنصت على مكالمات العديد من المسؤولين الأوروبيين مثل المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل من قبل المخابرات المركزية الأمريكية حتى في عهد أوباما في 2013 ، وفق التلفزيون الدانماركي وتسريبات موقع ويكليكس. وانتقد المسؤولون الأوروبيون التصرف الأمريكي وقتها وطالبوا بضمانات فيما يتعلق بالحفاظ على الخصوصية.
وأمام المخاوف التي يمكن أن تأتي من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، تحاول بروكسل تقنين وتنظيم هذا المجال الحساس، حيث قام النواب الأوروبيون في شهر حزيران 2023 باقتراح مشروع قانون ينظم الذكاء الاصطناعي.
وقال ديجان غلافاس، الخبير المالي السابق في المفوضية الأوروبية: “أوروبا قطعت أشواطاً فيما يتعلق بتنظيم وتقنين الذكاء الاصطناعي لكنها ليست هي الأولى التي ابتكرت هذه التقنية. لذا في حال تمكنت أوروبا من تطوير برنامج خاص بالذكاء الاصطناعي، فهذا سيساعدها على ضبط هذا المجال وتقنينه على المستوى الدولي”.