أشجار بين الدمار تغني للإعمار
غالية خوجة
الآثار تدل على قاطنيها كما تدل القصيدة على ساكنيها، ويدل الوطن على المدافعين عنه، والمضحين لأجله، فتعرفهم أرضه معرفتها للمحلق فوقها والمقيم في قبورها والعامل من أجلها مع بانيها، ولذلك، لم تعد الحقب والعصور وحدها من الآثار، بل ينضم إليها عصرنا الحالي الذي نحيا فيه في هذا الوطن، وما يحضنه من آثار لمواطنين كانوا هنا، لكنّ الإرهاب دمّر سنواتهم مع ما دمّر، ومنها أشكال الحجارة المتبقية من البيوت والمحال التجارية في مختلف أحياء حلب الصامدة، ومنها هذه اللقطة المشهدية التي تعزف ألحانها الخضراء مع نباتاتها الواثقة بالأمل واستمرارية الحياة، وهي مشتاقة بجذورها وفروعها لمن كانوا هنا، ولا تعرف كيف ترسل لهم أحلامها التي ما زالت مع نسوغها تنتظرهم، سواء كانوا من الشهداء أو النازحين أو المهاجرين أو اللاجئين.
هذه النباتات النابتة بعفويتها في كل مكان ترسل رسائلها إلى أهلها والعالم عن طريق الصور أو الكلمات أو الشبكة الالكترونية من خلال صحيفتنا “البعث”، لتخبرهم بأن للوفاء جذوراً في هذه الأرض، وللتشبث كما للنمو جذوراً في هذه الأرض، وللأمل بسقايتها من قبل أصحابها جذوراً متعاهدة على الانتظار والعودة وإعادة التأهيل والترميم لأن الحجارة التي عانت مثلهم ما زالت تحتفظ بأيامهم الماضية، وحواراتهم، وأحزانهم، وضحكاتهم، وأحلامهم التي تزداد خضرة مع كل نسمة، أو قطرة ماء، أو موسيقا تنتقل من غصن إلى غصن وهي تغني كما تغني أمي وأمهاتكم من واقع الحال: “يا رايحين ع حلب حبي معاكم راح، كل مين وليفو أجا وأنا وليفي راح”.