الولايات المتحدة والصين… صراع حركي وصل إلى مرحلة متقدمة جداً
البعث الأسبوعية – هيفاء علي
تنفذ إدارة بايدن خطة لجر تايوان إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع جمهورية الصين الشعبية، وتحمل هذه الخطة العديد من أوجه التشابه مع الإستراتيجية المستخدمة في أوكرانيا.
في حالة الصين، يجب أن تستجيب بكين للتحديات المتزايدة لوحدة أراضيها والصادرة عن وكلاء الولايات المتحدة وحلفائهم السياسيين العاملين في تايوان. ستؤدي هذه الإغراءات حتماً إلى دعم مادي أكبر من قبل الولايات المتحدة، التي عملت خلسة خلف الكواليس (وفي وسائل الإعلام) لخلق أزمة في تايوان. الهدف النهائي لهذه المكائد هو تسليح وتدريب وتقديم الدعم اللوجستي للانفصاليين التايوانيين الذين سيقودون حرب واشنطن بالوكالة ضد الصين.
في هذا السياق، ووفقاً للعديد من التقارير المستقلة، هناك بالفعل تعاون عملياتي متزايد بين الجيش التايواني والقوات الأمريكية، ولا شك في أن هذا التعاون سيتكثف عندما تندلع الأعمال العدائية وتغرق الجزيرة في الحرب.
هكذا تم وضع خطة المواجهة العسكرية مع الصين في إستراتيجية الأمن القومي لعام 2022، والتي تم فيها تحديد جمهورية الصين الشعبية على أنها “التحدي الجغرافي السياسي الأكثر أهمية للولايات المتحدة” والتي عبرت عن نيتها إعادة تشكيل النظام الدولي.
إن إغراق الصين في تايواني هو المرحلة الأولى من إستراتيجية احتواء أوسع تهدف إلى الحفاظ على صدارة أمريكا في النظام العالمي مع منع الصين من أن تصبح الاقتصاد المهيمن في المنطقة، كما تتضمن الخطة عناصر اقتصادية وسيبرانية وإعلامية مصممة للعمل بالتنسيق مع المكون العسكري.
مشاكل في تايوان
تايوان ليست دولة، بل هي جزيرة تقع قبالة سواحل الصين، تماماً مثل سانتا كاتالينا جزيرة قبالة ساحل كاليفورنيا. لا أحد يجادل في أن سانتا كاتالينا جزء من الولايات المتحدة، تماماً كما لا يجادل أحد في أن تايوان جزء من الصين. المسألة حُسمت منذ زمن طويل والولايات المتحدة توافق على نتائج هذه التسوية. علاوة على ذلك، أصدرت الأمم المتحدة في عام 1971 قراراً للجمعية العامة يعترف بـ “جمهورية الصين الشعبية باعتبارها الحكومة الشرعية الوحيدة التي تمثل الصين بأكملها”.
وبالتالي، تايوان جزء من الصين، وهذا ما تعنيه سياسة الصين الواحدة، لذلك يجب على الدول التي ترغب في إقامة علاقات مع الصين أن تتفق على وضع تايوان، هذا هو المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه جميع العلاقات مع الصين، فالمسألة غير قابلة للنقاش.
من جهتها، تقول الولايات المتحدة إنها ملتزمة بسياسة صين واحدة، وهذا ما عبر عنه كبار المسؤولين في إدارة بايدن خلال زياراتهم الأخيرة إلى بكين عندما أعلنوا دعمهم الثابت لسياسة الصين الواحدة.
فيما يلي تلخيص موجز لهذه القضية من قبل وزارة الخارجية الصينية: تعهدت الولايات المتحدة تجاه الصين فيما يتعلق بمبدأ الصين الواحدة في البيانات الثلاثة المشتركة بين الصين والولايات المتحدة، في بيان شنغهاي الصادر في عام 1972، صرحت الولايات المتحدة صراحةً أن الولايات المتحدة تدرك أن جميع الصينيين على جانبي مضيق تايوان يؤكدون أن هناك صيناً واحدة وأن تايوان جزء من الصين، حكومة الولايات المتحدة لا تجادل في هذا الموقف. وفي البيان المشترك بشأن إقامة العلاقات الدبلوماسية الصادر في عام 1978، صرحت الولايات المتحدة بوضوح أن حكومة الولايات المتحدة تعترف بالموقف الصيني القائل بوجود صين واحدة وأن تايوان جزء من الصين. في بيان 17 آب 1982، صرحت الولايات المتحدة بشكل لا لبس فيه أنه في البيان المشترك بشأن إقامة العلاقات الدبلوماسية في 1 كانون الثاني 1979، والصادر عن حكومة جمهورية الصين الشعبية وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية، اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بحكومة جمهورية الصين الشعبية باعتبارها الحكومة الشرعية الوحيدة للصين، واعترفت بالموقف الصيني القائل بأنه لا توجد سوى صين واحدة وتايوان جزء من الصين، وأنهم ليس لديهم نية في تقويض سيادة الصين وسلامة أراضيها، أو التدخل في الشؤون الداخلية للصين.
لذلك يمكن القول أن دعم تايوان له هدف واحد فقط، وهو إضفاء الشرعية على تسليح وتدريب القوات الأمريكية والمتمردين الذين سيتم استخدامهم في حرب دموية مع الصين، بمعنى أن الولايات المتحدة تمهد الأرضية لشن حرب بالوكالة ضد الصين، وقد تم تصنيف تايوان كخط أمامي لهذه الحرب، وما حركة الاستقلال سوى الغطاء الذي اختارته واشنطن لإخفاء أهدافها الحقيقية.
هذا هو السبب في أن تايوان أصبحت نقطة ساخنة في العلاقات الأمريكية الصينية، وهذا هو السبب في قيام العديد من الوفود بقيادة الولايات المتحدة بزيارة تايوان للتعبير عن دعمهم الضمني لاستقلال تايوان. ولهذا السبب أيضاً خصص الكونغرس ملايين الدولارات لتوفير أسلحة فتاكة للجيش التايواني، وأرسلت البحرية الأمريكية سفناً حربية إلى مضيق تايوان وأجرت مناورات عسكرية مكثفة في محيط الصين. وهذا هو السبب في أن واشنطن تواصل استفزاز بكين بشأن القضية الأكثر حساسية لها، وبالتالي تم تصميم كل هذه التحريضات لغرض واحد هو الحرب على الصين. لكن لماذا تتحدى واشنطن الصين في قضية محسومة ومتفق عليها عالميا؟
حقيقة، بحسب المراقبين هناك سببان: أولهما دفع الصين إلى المبالغة في رد فعلها وبالتالي تنفير حلفائها وشركائها التجاريين الإقليميين. وثانيهما، تأليب الرأي العام ضد الصين من خلال تصويرها على أنها دولة معتدية عنيفة تشكل خطراً واضحاً على جيرانها، وهناك معلومات إضافية من موقع الويب الاشتراكي العالمي تفيد أن الولايات المتحدة أعلنت أنها ستقدم لتايوان 345 مليون دولار من الأسلحة، وهي الدفعة الأولى من مليار دولار كمساعدات سنوية للمعدات العسكرية، حيث يمثل الإعلان خطوة جديدة في تسليح تايوان، مثلما فعلت وتفعل في أوكرانيا حيث استخدمت إدارة بايدن نفس الشرط لتزويد أوكرانيا بمعدات عسكرية أمريكية بمليارات الدولارات لتصعيد الحرب ضد روسيا.
تشير كل هذه التطورات إلى أن خطط الولايات المتحدة لصراع حركي مع الصين وصلت إلى مرحلة متقدمة جداً، وأن برميل البارود في تايوان يمكن أن يشتعل في أي لحظة، اذ يشير عدد من استطلاعات الرأي إلى أنه تمت تعبئة وتكييف الشعب الأمريكي لرؤية الصين كمنافس عديم الضمير ويشكل تهديداً متزايداً للأمن القومي. وترتبط وجهة النظر هذه ارتباطاً وثيقاً بمعيارين آخرين في الاستطلاع، حيث يعتقد الأمريكيون عموماً أن القوى العسكرية والاقتصادية للصين تشكل “تهديداً خطيراً” لمصالح الولايات المتحدة الحيوية خلال العقد المقبل.
وعليه، فإن الكثير من العداء تجاه الصين هو نتيجة الدعاية الإعلامية التي لا هوادة فيها والتي تهدف إلى شيطنة أكبر المنافس الاقتصادي لأمريكا. على سبيل المثال، الهيجان الذي أصاب الشعب الأمريكي بسبب منطاد صيني انحرف عن مساره ومر عبر أجزاء من الولايات المتحدة دون أن يشكل تهديداً لأي شخص، حيث حولت وسائل الإعلام الحادث الضئيل إلى قصة قاتمة للتجسس الدولي، مع المنطاد المدني الضال الذي أطلق عليه اسم “بالون الجاسوس الصيني”، والذي كان هدفه الشائن هو “جمع المعلومات الاستخبارية عن عدة مواقع عسكرية أمريكية حساسة”.