إستراتيجية المناعة الشعبية ضدّ التطبيع
البعث الأسبوعية- د.معن منيف سليمان
يؤمن الشعب العربي والقوى المجتمعية الفاعلية بمركزية دورها في مقاومة الاحتلال الصهيوني، ما يتطلّب منها الانتقال من العمل العاطفي الهاوي إلى وضع الخطط وبناء إستراتيجية المناعة الشعبية وتوحيد الجهود لحماية نفسها ومستقبلها وأوطانها من الخطر الصهيوني من خلال العمل على نشر الوعي على المستوى الشعبي للتعريف بخطورة التطبيع على القضية الفلسطينية والحق العربي، والمساهمة في تعزيز الرفض الشعبي للتطبيع كجريمة وخيانة، والتركيز على أن التطبيع يبدأ بكسر الحاجز النفسي لدى الرافضين للاحتلال، ليُحوِّل هذا الرفض تدريجياً إلى صمت وقبول، وربما بعد ذلك إلى دفاعٍ عنه وانحيازٍ إليه.
في الواقع، لا يراهن العدو الصهيوني على التطبيع الدبلوماسي، ولا على علاقاته مع أنظمة عربية وإسلامية معروفة منذ عقود، وإنما على تغيير في العقليات العربية، يمكّنها من اختراق المجتمعات العربية ومنظور هذه المجتمعات إلى طبيعة الصراع، وأهم اختراق تراهن عليه هو الاختراق الثقافي الذي يمهّد للاختراقات الأخرى. والغرض من هذا أن يُمحى ضمير الأمة الذي يربّي الأجيال الصاعدة على مقاومة الاحتلال، وبالحسبان أن فلسطين أرض محتلّة، وعلى الاعتقاد بوجوب القيام بتحريرها، طال الزمن أم قصر.
ومن هنا يتضح واجب الإعلام الحر، والمنابر الملتزمة، والضمائر الحية، وجمعيات المجتمع المدني، والمثقفين والأكاديميين والفنانين، في تحصين فكرة مقاومة التطبيع، والسهر على إبلاغها إلى الجيل الحاضر، وتعزيزها في فكره، ومن ثمّ توريثها للأجيال القادمة.
وتعدّ مقاومة التطبيع الشعبي أسهل من مقاومة التطبيع الرسمي بتربية الناشئين وإعداد الأجيال المؤمنة بحتمية زوال الاحتلال والتحرّر، ولنا في التاريخ شواهد كثيرة. فمن قال إن فلسطين ستتحرّر بعد قرنين من الاحتلال الصليبي؟ ومن قال إن الوطن العربي سيتحرّر من نير الاحتلال العثماني بعد 400 عام؟ ومن قال إن الجزائر ستتحرّر بعد أكثر من 130 سنة من الاستعمار الفرنسي؟.
ويمكن القول إن كل خطوة يمكن أن تساهم في عزل ” إسرائيل ” على أساس جرائمها المتمادية، هي جهد مطلوب، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، وليس من خطوة يمكن النظر إليها على أنها صغيرة ومتواضعة، بل هي خطوة تنضم إلى غيرها من الخطوات لتشكّل حالة رافضة للاحتلال وللعلاقات معه، ولتكون واحدة من طرق مقاومة الاحتلال، إلى أن تسترجع الأرض والحق والمقدسات.
ومن الأدوار الفاعلة للشعب العربي حسن استثمار الكتلة الديمغرافية الضخمة لإبراز حجم الرفض التام والكامل للمشاريع التطبيعية، ويكون ذلك بتنويع الأدوات والوسائل بهدف خلق كتلة مجتمعية شعبية ضاغطة رافضة للتطبيع مبرزة للتوجهات المجتمعية القطعية المبدئية في رفضها القبول بالانتهاكات الصهيونية، ويكون ذلك عبر تفعيل بعض الآليات مثل: العمل على تأسيس شبكات شعبية مجتمعية واسعة جامعة للمشارب الفكرية والأيديولوجية المعبّرة عن المجتمعات وتوحيد الجهود في جبهة شعبية رافضة للتطبيع تكون مظلّة جامعة للشعوب وقيادة محرّكة لها خلال عملية المقاومة والدفاع.
بالإضافة إلى التعبير الواسع عن الرفض القطعي للتطبيع عبر الاستنهاض والتعبئة للشعوب العربية والإسلامية من خلال الوقفات الميدانية والمهرجانات الشعبية والحملات الإعلامية الواسعة على وسائل التواصل الاجتماعي.
هذا مع ضرورة استثمار وسائل التواصل لصناعة التوجهات السليمة المعبّرة عن حقيقة الشعوب الرافضة للتطبيع وبناء التصورات السليمة حول حقيقة الكيان الصهيوني، وفضح انتهاكاته ومحاصرة الآلة التطبيعية وعزل خطابها والرّد على شائعاتها.
تعزيز توجّهات وإجراءات ملاحقة وقائع وأحداث وأشكال التطبيع مع الأخذ بالحسبان ضرورة ردع المطبّعين والتشهير بهم وإسقاطهم ومحاسبتهم ومحاصرة المؤسسات الإعلامية والرياضية والثقافية المطبّعة مع الاحتلال بالحسبان. إضافة إلى المقاطعة الاقتصادية الشاملة للمنتجات الإسرائيلية والمنتجات الداعمة للكيان الصهيوني وجيش الاحتلال.
واستثمار الفن والأدب والمسرح للتعبير عن الموقف الحقيقي للشعوب العربية والإسلامية فهي المعبّرة عن ضمير الشعوب ومرآة قيمه الأصيلة. والتواصل الدائم مع النخب الإعلاميّة والثقافيَّة، من حاملي راية مكافحة التطبيع، وتشجيعهم على متابعة جهودهم وتثمينها، والتأكيد على أنَّ هذا الجهد مُقدَّر ودوره فاعلٌ في التأثير إيجاباً على منع اتّساع دائرة التطبيع مع العدوّ عبر مساهماتهم في كتابات أو مقابلات أو ندوات، على أن يُعمل على تغطيتها إعلاميّاً والترويج لها لدى الجمهور العام.
كذلك، الامتناع عن المشاركة في الفعاليات الثقافية أو الفنية أو حتى ما يروج له من فعاليات تحت عنوان التسامح الديني للجمع بين المسلمين والمسيحيين ويهود من كيان الاحتلال. وقد شهدت الأيام الماضية نماذج مشرّفة لحالات عديدة رفض فيها لاعبون عرب وسوريون ( خالد كردغلي ) اللعب ضدّ لاعبين إسرائيليين، من باب رفضهم التطبيع مع الاحتلال، وتوثيق المواقف التاريخية الرافضة للتطبيع في الشعوب العربية والإسلامية والإشادة بها وتسويقها كأداة لتأكيد الذاكرة المقاومة.
النضال من أجل حماية المناهج الدراسية من أية محاولة لدسّ التطبيع فيها مع ضرورة تضمينها القضية الفلسطينية ودور الشعوب العربية والإسلامية في الدفاع عنها. وشنّ حملات تثقيفيَّة إعلاميَّة دعائيَّة متواصلة، تُذَكّر الشباب العربي بأنَّ “إسرائيل” هي العدوّ، وتُذَكّر بمجازره واعتداءاته في فلسطين والدول العربية المجاورة، وكذلك في أطماعه.
انطلاق حملات تدعو لمقاطعة الصفحات الإسرائيلية على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة صفحة الناطق باسم جيش الاحتلال “أفيخاي أدرعي” على موقع فيسبوك وحسابه على تويتر. والتعميم بضرورة الامتناع عن التواصل مع العدوّ و”مواطنيه ومؤسَّساته وكلَّ أجزاء الكيان الصهيونيّ”، عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، مع إمكان المساءلة أمام القانون بخاصَّة في بيئة ومؤسَّسات ومجتمع المقاومة، لأنَّ التفاعل ولو كان سلبيّاً وعدائيّاً تّجاه العدوّ هو أحد أهم أهداف العدوّ لاستدراج جمهورنا وبيئتنا، ويُعدُّ من ناحيته، نجاحاً باهراً.
إن مقاومة التطبيع تحتاج منّا جهداً كبيراً ووقتاً كثيراً من أجل الانتصار على العدو، وسلاح مقاطعة “إسرائيل” سلاح قوي ومؤثّر في مواجهة التطبيع العسكري والاقتصادي والثقافي والفكري، وقد بذلت حركة مقاطعة “إسرائيل” جهوداً ونشاطات كثيرة في بلاد العالم كافة، واستطاعت التأثير من خلال المؤتمرات القوية التي عقدتها في أوروبا، واستطاعت الإضرار بالكيان من خلال تفعيل المقاطعة الاقتصادية والمقاطعة الفكرية والثقافية في أوروبا.