مجلة البعث الأسبوعية

كشافة المواهب ظاهرة اندثرت في كرتنا فانقرض معها اللاعب المهاري!!

البعث الأسبوعية – عماد درويش

يبقى الاهتمام بالقاعدة والمواهب السنية من الأسس والأساسيات والواجبات التي تعتمد عليها الأندية في كرة القدم بصورة كبيرة، فالأندية بمختلف درجاتها ومستوياتها لا يمكنها بأي حال من الأحوال الاستغناء عن القواعد التي تبقى أولاً وأخيراً المصدر الرئيسي والممول الأول لجميع الأندية.

وعلى مر سنوات سابقة وفي الوقت الحالي، كثرت الآراء والمناقشات حول ندرة المواهب الكروية وعدم اهتمام الأندية بها، وحتى اتحاد كرة القدم لم يولي المراحل السنية ومراحل التكوين الأهمية الكافية، من خلال تطوير مسابقاتها المحلية المختلفة لكافة الأعمار، حيث يخوض اللاعب تقريبا من 10 إلى 15 مباراة فقط طوال الموسم كاملاً، هذا في حالة تأهل فريقه إلى الأدوار النهائية من المسابقات، أما إذا لم يتأهل فيلعب 10 مباريات فقط على مستوى محافظته ، ولهذا دائماً معظم الأندية، تبحث وتعتمد على اللاعبين الجاهزين من الأندية الأخرى أو شراء المواهب من أندية الدرجة الأولى وما دون لخطف نتائج وقتية فقط، وبعدها بموسمين يهبط الفريق إلى الدرجة الأولى.

مشاهد كثيرة

هناك تجارب ومشاهد كثيرة في مسألة المواهب على مدى السنوات الماضية، فأندية بين هبوط وصعود لعدم قدرتها المالية واستطاعتها الاستمرار في الصرف والدفع وشراء اللاعبين الجاهزين، فضلًا عن النقص في المواهب في معظم الأندية، خاصة الأندية الكبيرة وعدم الاهتمام بالقاعدة رغم وجود المواهب الكثيرة، إلا أن الاعتماد على اللاعب الجاهز أصبح بالوقت الراهن هو السائد، وسلبيات هذه الظاهرة أصبحت أكثر من إيجابياتها بشكل ملحوظ في الأندية، وإذا تحدثنا وأشرنا إلى العلاقة بين الأندية وخبراء اكتشاف المواهب والموهوبين، نجدها ضعيفة جداً، حيث لا يجد الكشاف كما كان في فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، أو المدرب نفسه،  الاهتمام من النادي والإدارة، بسبب غياب التحفيز المالي أو الامتيازات التي تساعده على البحث ومضاعفة الجهد، فيحضر للنادي وكأنه غريب دون أي اهتمام، ما يقلل من حماس وظهور الكشافين في التعاون مع الأندية أو مع أنديتهم.

علاقة وطيدة

لهذا يجب أن تصبح العلاقة قوية بين الكشاف أو المدرب ومدرس التربية الرياضية في المدارس والصفوف الانتقالية خاصة مع النادي، حيث تعد الأندية الرافد والشريان الرئيسي للمنتخبات الوطنية، وأي نتيجة تتحقق سواء كانت إيجابية أو سلبية للمنتخبات ما هي إلا انعكاس للوضع الذي تعيشه الأندية.

بعض الأندية انتبهت لنفسها وبدأت تهتم بأبناء النادي والتقليل من الاعتماد على جلب اللاعبين من خارج النادي، وكذلك تقليل الصرف المالي الكبير ومنها ما نراه على أرض الواقع ، حيث باتت تلك الأندية تعتمد بشكل أساسي على أبناء النادي من خلال إعطائهم فرصة للعب، حيث نلحظ بداية جيدة لمجموعة من الموهوبين من أبناء النادي بدأت تنخرط مع الفريق الأول ويتم الاعتماد عليهم، ولعل المشروع الوطني لتطوير الكرة السورية الذي يقام حالياً يعتبر الخطوة الأولى للبحث عن المواهب في أنديتنا والعمل على تأهيلها لتكون نواة حقيقية لمستقبل الكرة السورية.

كشافة المواهب

لا شك أنه بين الحين والآخر يتبادر إلى الأحاديث والنقاشات الرياضية الجانبية وحتى اللقاءات الرسمية دور كشافة المواهب الرياضية في الماضي وعملهم المهم في اكتشاف اللاعبين الصغار المواهب وخصوصاً في المدارس ، وكيفية ترغيب المواهب للحضور للأندية للالتحاق بفرق الفئات السنية، لكن في الوقت الحاضر مع التطور الحضاري في المدن والقرى وانحصار اللعب في بعض المناطق المفتوحة، وأيضاً اتجاه الناشئة إلى الألعاب الإلكترونية، أدى إلى قلة المواهب وبنفس الوقت صعوبة اكتشافها، وما يصعبها أكثر هو غياب موهبة الاكتشاف ومعاييرها عند الكشافة “أنفسهم” في ضوء ابتعاد المعروفين منهم في الأندية بحكم عامل السن والتقدم في العمر، لذلك بدل أن نبحث عن اكتشاف المواهب، صرنا نبحث عن مواهب الكشافة أنفسهم الذين يقل عددهم نوعياً حتى أصبحوا نادري الوجود وقلة من يمتلكون معايير الاكتشاف والانتقاء، فقد أصبح جودة الاختيار والتركيز على مواصفات ومعايير معينة “مطلب” بجانب الموهبة قبل صقلها، مثل عامل الطول في كرة السلة والطائرة، والمهارة الكروية في كرة القدم.

لذلك نحن بحاجة إلى البحث عن الكشافة المهرة، قبل البحث عن المواهب، ربما نجد ضالتنا في اللاعبين الخبرة النجوم أو من يمتلكون موهبة “الاكتشاف” ومعاييرها للعمل والتعاون معهم واختيارهم بعناية لأنهم السبيل لتسهيل عملية اكتشاف المواهب المنتشرين في جميع مدارس ومناطق وقرى البلد.

دور الكشاف

يعتبر دور كشاف المواهب مهماً في عالم كرة القدم، فلا يُرى حجم المجهود الذي يقوم به، يجوب القرى البعيدة لاكتشاف موهبة خفية، يلتقطها بعد بحث شاق، يقوم بصقلها وعرضها على الأندية الشهيرة، وفي عالم كرة القدم يستمر اللغط حول دور الكشاف، ومدى أهميته، ورغم اهتمام الأندية الأوروبية بكشافي كرة القدم وتعيينهم، فيما لا يزال العالم العربي متخبطًا بين وكيل اللاعبين الذي يعتمد على أهمية علاقاته والكشافين غير المعتمدين.

في رياضتنا لا يوجد نظام معين لاكتشاف المواهب، فبعض الأندية تلجأ إلى الوكيل الذي يدير بعض اللاعبين، وأحياناً تلجأ إلى ما يعرف باسم الـ “كشاف”، الذي سمي بهذا الاسم لأنه يتمكن من البحث عن المواهب في القرى والمراكز، يلتقط مواهب تحتاج إلى عين دقيقة الملاحظة.

ويتعرض “الكشاف” لبعض الأزمات، فالجهد الذي يقوم به لا تقدره بعض الأندية، ويُترك الأمر دون نظام رسمي في التعامل المادي، وهو بطبيعة الحال ليس وكيلًا للاعبين وغير معتمد من اتحاد كرة القدم، وبالتالي لا يجد تقديراً جيداً، لكنه يمكن له أن يصنع اسم في عالم كرة القدم أو الرياضة السورية عامة.

حلول واضحة

مع تدهور المستوى الفني للكرة السورية وغيرها من الألعاب (مع بعض الاستثناءات) إلا أن أصحاب القرار لم يُفعِّلوا دورهم للحد من الاستمرار على الخطأ، وهو أقل ما يمكن فعله لتدارك الموقف، ففي ظل انتشار الصوت الجماهيري المطالب بإيجاد مواهب جديدة في الملاعب يتفشى وباء يزيد رداءة المنتج في معظم الأندية.

فمن تدهور كرتنا إلى أن أصبح الشارع الرياضي يرى من اللاعبين الشباب الحاليين مواهب الحاضر والمستقبل المشرق، وحين نقارنهم بمواهب العصر الذهبي أمثال “شهرستان و طاطيش وكيفورك وشكوحي وغيرهم” نجدهم “قطرة من محيط “،وباعتقاد الكثيرين هم أفضل السيئين، ولكنهم هم وأقرانهم لن يعيدوا شيئاً من الماضي الذهبي، فكلهم يعلم مدى صعوبة تسجيل اللاعبين النشء في الأندية الجماهيرية مهما كانت موهبة ذلك النشء، والكل يعلم أن الأولية هي ” للواسطة” وليست للإمكانات وهو ما ظهر بشكل واضح في انتقاء المواهب الكروية في بعض المنتخبات المشاركة في المشروع الوطني لتطوير الكرة السورية، وهذا ما يجعل الجيل القادم أكثر رداءةً من الجيل الحالي الذي نشتكي تباينه عمن سبقه، فكيف ستنافس على مستوى القارة واللاعبون هم خريجو “الواسطة”؟