“هذا الكتاب ليس لك إذا كنت..”!!
البعث الأسبوعية- نجوى صليبه
“هذا الكتاب ليس لك إذا..” عبارة أشبه بإنذار أو تنبيه يشرحها الدّكتور “إدوارد دي بونو” في كتابه “علّم طفلك كيفية التّفكير.. ساعده على البقاء والنّجاح” بذكر صفات الأشخاص غير المقصودين بالكتاب، وهم من يعتقدون بأنّ لديهم الذّكاء الكافي، وأولئك الذين يعتقدون أنّ مهارات التّفكير تعلّم في المدرسة، إضافةً إلى من يعتقد أنّه لا يمكن تعليم مهارات التّفكير بشكلٍ مباشر، ويعطي مثالاً على ذلك فيقول: “الصّحفي الذي يطبع باستخدام إصبعين سيظلّ يطبع بإصبعين في سنّ السّتين، وهذا سيجعله أفضل ضارب على الآلة الكاتبة بإصبعين فقط، لكنّ دورة قصيرة في الطّباعة باللمس من دون النّظر إلى لوحة المفاتيح في سنّ مبكّرة من شأنها أن تجعل هذا الشّخص ضارباً للآلة الكاتبة أفضل بكثير طوال حياته، الشيء ذاته مع التّفكير، والممارسة ليست كافية”.
وبحسب ما يذكر المؤلّف فإنّه يهدف من كتابه، الذي ترجمته ميساء محمد إبراهيم والصّادر حديثاً عن الهيئة العامّة السّورية للكتاب ، المشروع الوطني للتّرجمة 2023، إلى الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الشّباب في جميع أنحاء العالم ممّن يتبنّون مقولة: “أنا مفكّر”، يقول: “سأكون أكثر سعادةً إن استطعت الوصول ببعضهم إلى أبعد من تلك المقولة ليتبنوا مقولة: “أنا مفكّر واستمتع بالتّفكير”، فالتّفكير ليس صعباً وليس مملاً، ولا تحتاج أن تكون عبقرياً لكي تكون مفكّراً جيّداً، إنّ رفاه العالم في المستقبل سيتطلّب تفكيراً جيّداً، والحياة الشّخصية تتطلب التّفكير الجيّد دائماً، لكن التّعقيد المتزايد في المستقبل للمتطلبات، والرّفض سيتطلّب التّفكير بشكلٍ أفضل”.
ويتساءل المؤلّف الباحث ببرنامج “رودس” في جامعة “اكسفورد” ومخترع مصطلح “التّفكير الجانبي”، المسجّل باسمه في قاموس “أوكسفورد” للغة الإنكليزية: “لماذا نحتاج إلى تفكير جديد حول التّفكير؟”، ثمّ يوضّح: “المعلومات مهمّة جدّاً، ويسهل تعليمها واختبارها، والتّفكير ليس بديلاً عنها، لكن قد تكون هي بديلاً عنه، وقد نكون قادرين في بعض المجالات على إنجاز معلومات كافية، ثمّ تصبح تلك المجالات مسائل روتينية لا تتطلب التّفكير.. ينبغي علينا في المستقبل أن نسلّم هذه المسائل الرّوتينية إلى أجهزة الحاسوب، فإن لم يكن لدينا معلومات كافية نحن بحاجة إلى التّفكير من أجل الاستفادة القصوى من المعلومات، وعندما تعطينا أجهزة الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات المزيد والمزيد من المعلومات فنحن بحاجة إلى التّفكير من أجل تجنّب الارتباك والخلط بين جميع هذه المعلومات، وعندما نتعامل مع المستقبل نحن نحتاج إلى التّفكير، وللإبداع والتّصميم والمشاريع نحن بحاجة إلى التّفكير، ولأنّ المعلومات ليست كافيةً نحن بحاجة إلى التّفكير”.
أسئلة كثيرة يطرحها المؤلّف، وكلّ منها يفتح الباب أمام تساؤلات أكثر، نذكر على سبيل المثال: “هل يجب أن يكون التّفكير صعباً؟”، “ولماذا نحاول دائماً تطوير تفكير النّاس من خلال تكليفهم مهام يصعب عليهم القيام فيها؟”، ويوضّح: “لا أعتقد أنّ ألعاب التّفكير والألغاز والألعاب الرّياضية هي طرق جيّدة لتعليم التّفكير، علاوةً على ذلك، فإنّ الاعتقاد بأنّه إذا كان بإمكانك القيام بأشياء صعبة جدّاً، تستطيع القيام بكلّ الأشياء التي هي أقلّ صعوبة ليس مدعوماً بالتّجربة البشرية، كما أنّ العديد من النّاس القادرين على القيام أعمال عقلية صعبة جدّاً أقل قدرةً على التّعامل مع مهمات أبسط في بعض الأحيان”.
“كيف يمكن أن يكون الإنسان مفكّراً؟، سؤال قد يسأله أي إنسان، لكن من المؤكّد ليس كلّ إنسان قادر على إعطاء الجواب، أمّا الدّكتور “إدوارد دي بونو” فيجيب ويقول: “القاعدة الأولى للفكر العقلي هي إذا لم يكن لديك الكثير لتقوله، اجعله معقّداً قدر الإمكان، ولدى المثقّف الحقيقي خوف عميق من البساطة بقدر الخوف العميق للمزارع من الجفاف، وإذا لم يكن هناك التّعقيد، فما الذي يمكن العمل معه أو الكتابة عنه؟”.
ويضع “دي بونو” مبادئ توجيهية للتّفكير، ونختصرها بالآتي: أن يكون الفرد بنّاءً دائماً ويفكّر ببطء ويجعل الأمور بسيطة قدر الإمكان، وأن يفصل الأنا عن التّفكير أي أن يكون موضوعياً ويركّز في الهدف وأن يكون قادراً على تبديل أدوات التّفكير التي يستخدمها وصياغة نتيجة واضحة للتفكير، وأن يدرك أنّ المشاعر والعواطف جزءان مهمّان من التّفكير لكن مكانهما بعد الاستكشاف لا قبله، إضافةً إلى ضرورة قدرة الفرد على التّحرّك إلى الأمام وإلى الخلف بين مستويي التّفكير العام والتّفكير الفصلي، ونراه يركّز في أحد المبادئ على أهمية الآراء المختلفة، ويبين: “الآراء المختلفة قد تكون صحيحة، والرأي المختلف قد يكون مستنداً إلى نحو سليم ومنطقي على التّصوّر المختلف”، أمّا المبدأ الثّاني عشر، فيخصصه للحديث عن الأفعال وعواقبها وتأثيرها على القيم والنّاس والعالم من حولنا، يقول: “لا ينتج عن التّفكير فعل دائماً، وحتّى عندما ينتج عنه ذلك، فإنّ العقل قد يكون محصوراً بسياق محدد، لكن بشكل عام التّفكير الذي نتج عنه خطّة عمل أو حلّ مشكلة أو تصميم أو خيار أو قرار سيتبعه فعل له عواقب مستقبلية وتأثير على العالم المزدحم.
البحث في التّفكير وطرائقه بحث متنوّع ومتشعّب ولا يمكن لأحد أن يحيط جوانبه كلّها، وقد يكون من الصّعب على بعض الباحثين الاعتراف بهذه الحقيقة، على خلاف الدّكتور “بونو” الذي يقول: “هذا الكتاب ليس مقصوداً أن يكون شاملاً ويغطّي جميع جوانب التّفكير الممكنة، ولا يقصد به أن يكون مناقشة لفلسفة التّفكير، لكن إذا جرى استخدامه بطريقة منضبطة فهناك كثير من المواقف والعادات وهياكل التّفكير المفيدة التي يمكن أخذها واستخدامها حتى لو تعلّم بعضها بشكل جيّد فهي لا تزال صالحة للاستعمال بحدّ ذاتها، مضيفاً: “على الرّغم من أنّ هذا الكتاب موجّه للأطفال، لا يوجد حدّ أقصى للسّن، فالأساليب والتّقنيات مناسبة للأطفال والبالغين، وجرى تعليم العديد من الأساليب لكبار رجال الأعمال ويستخدمونها وهذا ليس مستغرباً، وهناك ثلاث طرق للتّعلّم ممكنة للتّعلّم من الكتاب، لكن للأسف إخبار الأطفال بأنّ التّفكير سيكون عوناً كبيراً لهم في المدرسة لن يكون له تأثير تحفيزي قويّ على معظمهم”.