واشنطن تمهد لسيناريو أوكرانيا اليوم ..تايوان غداً
عائدة أسعد
أعلن البيت الأبيض مؤخراً أنه قرر تقديم حوالي 345 مليون دولار من المساعدة العسكرية لجزيرة تايوان في إطار سلطة الانسحاب الرئاسي، وهذا أول استخدام من قبل إدارة جو بايدن لبيع الأسلحة، بما في ذلك الأسلحة الهجومية إلى تايوان كما يسلط هذا التحول الضوء على جانب جديد من مبيعات الأسلحة الأمريكية لتايوان ليزيد من حدة التوترات عبر مضيق تايوان ويؤدي إلى توتير أسس العلاقات الصينية الأمريكية.
أولاً، يمثل هذا تحولاً في سياسة الولايات المتحدة، من تزويد الجزيرة بأسلحة دفاعية إلى توفير أسلحة هجومية للجزيرة، فوفقاً لقانون علاقات تايوان الذي أقرته الولايات المتحدة في عام 1979 يمكن لواشنطن أن تزود تايوان بأسلحة ذات طبيعة دفاعية فقط.
وفي البيان الصيني الأمريكي المشترك الصادر في 17 من آب 1982 قالت الولايات المتحدة إنها لا تسعى إلى تنفيذ سياسة طويلة الأجل لمبيعات الأسلحة إلى تايوان، وأن مبيعاتها من الأسلحة إلى تايوان، سواء من حيث النوعية أو الكمية ، لن تتجاوز مستوى تلك التي تم توريدها في السنوات الأخيرة منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وبكين، وأنها تنوي تقليص مبيعاتها للأسلحة إلى تايوان تدريجياً مما يؤدي على مدى فترة من الزمن إلى حل نهائي.
ومع ذلك فقد انتهكت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة علانية أحكامها القانونية والتزاماتها السياسية من خلال بيع أسلحة هجومية متطورة إلى تايوان، وتشمل الأمثلة صفقة بقيمة 8 مليارات دولار لشراء 66 طائرة مقاتلة من طراز F-16V ، وصواريخ جو-أرض بقيمة 1 مليار دولار، وأنظمة صواريخ مدفعية عالية الحركة وأكثر من ذلك. وهذا الخروج عن الالتزام بتزويد الأسلحة الدفاعية لا يلقي فقط بظلاله على السلام عبر المضيق فحسب، بل يهدد أيضاً بتقويض المصداقية الإستراتيجية للولايات المتحدة.
ثانياً، يشير القرار إلى تطبيع مبيعات الأسلحة المنتظمة للجزيرة، ففي الماضي غالباً ما جمعت الولايات المتحدة مبيعات الأسلحة في حزم شاملة لتايوان، وعلى سبيل المثال تلقت تايوان خلال إدارة باراك أوباما ما قيمته 14.07 مليار دولار من المعدات العسكرية على ثلاث دفعات، بما في ذلك صواريخ باتريوت المتقدمة القدرة، وطائرات الهليكوبتر بلاك هوك، وترقيات لطائرات مقاتلة من طراز “إف 16”
كما ظهرت في السنوات الأخيرة سياسة نقل الأسلحة التقليدية الجديدة، والتي تعمل على تبسيط صادرات الأسلحة وتسهيل تطبيع عمليات نقل الأسلحة ومنذ أن تولى الرئيس الأمريكي جو بايدن منصبه في عام 2021، ازدادت وتيرة مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى تايوان بشكل ملحوظ مع أكثر من 10 مبيعات أسلحة في حوالي عامين ونصف فقط، ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه مما يزيد من تدهور العلاقات الصينية الأمريكية.
ثالثاً، يمثل القرار تحولاً من مبيعات الأسلحة التقليدية إلى بيع أسلحة ذات طبيعة هجومية بموجب إطار سلطة الانسحاب الرئاسي الأمريكية، ففي السابق كانت مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى تايوان تخضع لسلسلة من المراجعات الإجرائية، بما في ذلك الموافقة الإدارية وحتى تدقيق الكونغرس للمعاملات واسعة النطاق، ولكن الولايات المتحدة تستخدم الآن تكتيكات جديدة للمسار السريع لمبيعات الأسلحة إلى تايوان، متجاوزة عمليات المراجعة المعقدة والمطولة.
ونظراً لأن الولايات المتحدة تقارن بين مسألة تايوان والأزمة الأوكرانية، والتي كانت واشنطن تطيل أمدها من خلال تقديم المساعدة العسكرية لكييف، فإن هذا التحول في الإستراتيجية يثير مخاوف من أن الولايات المتحدة قد تستخدم النموذج الأوكراني للمساعدة العسكرية في حالة تايوان، ومن المحتمل أن تمهد الطريق لسيناريو “أوكرانيا اليوم، تايوان غداً”.
تجدر الإشارة إلى أنه هناك أهداف متعددة الأوجه وراء الخطوة الأمريكية الأخيرة، فقد حددت الولايات المتحدة الصين على أنها منافس استراتيجي، ومن خلال لعب ورقة تايوان تهدف إلى إضعاف القدرات السياسية والاقتصادية والعسكرية للبر الرئيسي الصيني، وبالتالي إبطاء جهود التحديث.
وسيكون للاستنزاف المستمر لموارد تايوان بسبب مشتريات الأسلحة من الولايات المتحدة عواقب وخيمة، فسلطات تايوان تتمتع بقدرة تفاوضية محدودة ضد الولايات المتحدة، مما يعني أنه يتعين عليها دفع أسعار أعلى بكثير من المشترين الآخرين لنفس الأسلحة، وهذا النهج لا يخدم سوى مصالح المجمع الصناعي العسكري الأمريكي باستخدام تايوان كمصدر ربح كبير.
لقد كان من الممكن استخدام المبالغ الهائلة من الأموال التي تدفعها تايوان للولايات المتحدة لشراء الأسلحة لتحسين اقتصاد الجزيرة وسبل عيش سكانها وخاصة في وقت كانت فيه الجزيرة تواجه تحديات اقتصادية، بما في ذلك شهور من تراجع الصادرات والاقتصاد السلبي والنمو في النصف الأول من عام 2023.
وعلاوة على ذلك، كانت الولايات المتحدة، من خلال مبيعات الأسلحة وغيرها من الإجراءات، تستفز بكين وتشجع الحزب الديمقراطي التقدمي على مواصلة أنشطته المؤيدة للاستقلال، مما قد يؤدي إلى نشوب صراع عبر المضيق.
لقد حان الوقت كي تدرك الولايات المتحدة أن قضية تايوان تكمن في صميم المصالح الحيوية للأمة الصينية، وتشكل ركيزة أساسية للعلاقات الصينية الأمريكية. ولتسهيل العودة إلى مسار أكثر صحة للعلاقات الصينية الأمريكية، يجب على الولايات المتحدة الالتزام بمبدأ الصين الواحدة، والتوقف عن استخدام تايوان كأداة لاحتواء البر الرئيسي، كما يجب على سلطات تايوان أن تدرك أن تصرفات الولايات المتحدة لا تخدم مصالح الجزيرة والاستمرار في العناد وتجاهل حقيقة الوضع لن يؤدي إلا إلى إلحاق الأذى الذاتي بتايوان.