كتاب “نظريات في قفص الاتهام”.. ومحاكمة نقدية
آصف إبراهيم
يرى الباحث محمود نقشو في مقدمة كتابه الصادر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب تحت عنوان “نظريات في قفص الاتهام” أن النظرية تعمل على تنظيم المعرفة العلمية وبنائها، فهي التي زوّدت العلم بالمنهجية والمفاهيمية، وفجّرت في الإنسان طاقة التحرر من التصورات الجامدة الساكنة، وعظَّمت الفعل النقدي في الفعل المعرفي المنجز.. والنظرية كما تُنسَب للعلم والمنهج تُنسب للعقل الذي قال فيه أبو العلاء المعرّي مقولته الخالدة “كذب الظن، لا إمام سوى العقل”، ووصفه الفرنسي ديكارت، أبو الفلسفة الحديثة، في بداية القرن السابع عشر، بأنه “أعدل الأشياء قسمة بين الناس”.
هذا الكتاب كان عنوان ندوة أقامتها مديرية الثقافة في حمص الاثنين الفائت في قاعة سامي الدروبي بحضور المؤلف شارك فيها ثلاثة نقاد هم الكاتب والمخرج المسرحي عبد الكريم عمرين، والدكتور عبد الرحمن البيطار، والناقد عطية مسوح، قدموا خلالها ثلاث قراءات تتناول هذا الكتاب الذي يوصّف مؤلفه فيه حقيقة النظريات وقربها وبعدها عن الحقيقة، وفائدتها للإنسانية، حيث تفوح من بعضها رائحةُ الحياة، ومن بعضها الآخر رائحةُ الدم والنفط والاستعباد وتسويغ الاستعمار والقتل ونهب الثروات مثل نظريات غوبل، ميكافيللي، مالتوس، داروين، ليدن، بريجنسكي، فوكوياما، هنتنغتون، وهي تسوّغ ما تسوغه من توجهات الهيمنة، وتنظّر لمصائر أمم وحضارات عظيمة لا تطلب غير العيش الكريم والإسهام بما تمتلك في إعمار هذا الكوكب، لكنها تصطدم في حاضرها ومستقبلها بتلك النظريات الشريرة.
عرض الكاتب عبد الكريم عمرين، رئيس فرع حمص لاتحاد الكتاب العرب، في بداية الندوة، التي أدارتها الشاعرة أميمة إبراهيم، ملخصاً تعريفياً بمحتوى فصول الكتاب الستة، قبل أن يشير إلى مجموعة ملاحظات تمنى فيها على مؤلف الكتاب لو لحظها في بحثه، ومنها نظريات الاستشراق وأثرها سياسياً واقتصادياً وعلمياً في شرقنا العربي، وارتباطها بدوافعها السياسية والدينية والاقتصادية، وكذلك نظريات الاستغراب عند المفكرين العرب، وكيف ساهم بعضها في إنشاء نهضة فكرية، أو في حوار لم ينته بعد، حول نقد الأيديولوجيا، والمقارنة، أيضاً، بين النظريات التي انبثقت عن تيارات القومية الدينية والماركسية، وأثرها في بناء الدول والمجتمعات في الغرب، وبين فشلها في تاريخ الواقع العربي.
كما تمنى عمرين على المؤلف لو وضع الماركسية والاشتراكية في سياقهما التاريخي ودراستهما كمحاولة فكرية وفلسفية واقتصادية وسياسية لتحقيق حلم الإنسان في العدالة الاجتماعية، وغيرها من الملاحظات.
بدوره الدكتور عبد الرحمن البيطار، رئيس الجمعية التاريخية بحمص، قدم لمحة تاريخية عن أوروبا التي ظهرت فيها أغلب النظريات الشريرة التي جاءت نتيجة أطماعها السياسية والاقتصادية، وأخذ على الكتاب غياب الدراسة الفكرية التي تبين الواقع الذي تبلورت ضمنه تلك النظريات وأهدافها، وأخذ عليه أيضاً إطلاق أحكام مسبقة وقاسية تظهر في العناوين، واعتبر أن الكتاب موجه للنخبة وليس للقارئ العادي، كما أهمل الإشارة إلى دور علماء العرب في النهضة الإنسانية.
الناقد عطية مسوح اعتبر أن أولى مآثر الكتاب أنه يزيح الهالة التي تكونت في عقولنا حول نظريات كبيرة. لاسيما القارئ العربي الذي يؤخذ بما يقرأ دون تبصر، والكتاب يبين للقارئ أن الفلسفات الكبرى لا تخلو من نقاط ضعف.. وقد تمنى على المؤلف عدم الإكثار من العناوين المثيرة التي قد تكون بعيدة عن الموضوعية، وكذلك تجنب الاتهام المباشر.
ورأى أن هناك خلطا بين الفلسفة والنظرية، أو بين النظرية والتيار الفكري، فالمثالية هي تيار فلسفي كبير وليس نظرية كما ورد في الكتاب، وكذلك الاشتراكية تيار وليس نظرية، ونظرية العولمة هي مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي وليس نظرية، ونظرية ماركس هي فلسفة تنبثق عنها نظريات كثيرة فهذا الخلط يضيع القارئ.
ولاحظ مسوح أن المؤلف يوسع دائرة الاتهام كثيراً، وهذا يؤدي إلى زعزعة ثقة القارئ بالفكر الإنساني كلياً، كما يساوي بين نظرية علمية كبيرة وبين نظريات محدودة المساهمة والتأثير، ويحمّل المؤلف أصحاب الفلسفات والنظريات مسؤولية من سار على دربهم، وأضاف ما هو خاطئ.
نشير أخيراً إلى أن الكتاب يتألف من ستة فصول تعالج “النظرية من المدلول إلى الثورة الرقمية”، و”أخطاء بعض النظريات وإشكالياتها”، مروراً بــ “نظريات الحرب والسلام ونقد النظريات الكبرى”.
ويتناول في الفصلين الثالث والرابع النظريات الشريرة في الكون وفلسفة الشر والنظريات العنصرية العلمية من الهيمنة والاستلاب والإبادة والاستعلاء والعنصرية والصراع الدولي، ونظريات السيطرة الإعلامية ومجمل النظريات التي خربت العالم. ويتضمن الفصل الخامس النظريات التي تغير العالم مثل نظرية الفوضى والتقدم العلمي والتكنولوجي، قبل أن يختتم الكتاب بفصل “في ما وراء النظريات وتوظيفها واستثمارها في خدمة السياسة”.
يذكر أن نقشو مهندس كيميائي وشاعر وهو عضو اتحاد الكتاب العرب. صدر له في الشعر: “أوراق خريف آخر”، و”أسئلة الحرائق”، وفي البحث “الانتروبيا والشعر”، إضافة إلى مخطوط بحثي بعنوان “ما وراء التجريد”.