ثقافةصحيفة البعث

نورس برو: الجسد أصدق تعبيراً من الكلام

لم تتوقف فرقة سورية للمسرح الراقص منذ تأسيسها عام 2012 عن تقديم أعمالها المسرحية الراقصة بفضل شغف واجتهاد ومثابرة مؤسسها الفنان نورس برو الذي لم يمنعه مرض السرطان من الاستمرار وتحقيق النجاح في كل ما يقوم به، وهو يستعد كاتباً ومصمماً ومخرجاً ليقدم  على خشبة مسرح القباني بدمشق العرض الثالث عشر في مسيرة الفرقة الخميس القادم والذي يحمل عنوان “تداخل منفصل”. وبالتزامن مع الاستعداد لافتتاح العرض كان لنا معه هذا اللقاء:

أي خصوصية يحملها هذا العرض بالنسبة لك؟

تكمن خصوصية هذا العمل في إنجازه في هذه الظروف, وهو ما اعتبره بعض الأصدقاء من فنانين وإعلاميين ونقاد بمثابة المعجزة في ظل ما نمر به من مناخات مجتمعية ومعيشية, وكانت هناك صعاب مررنا بها لإنجاز هذا العمل، مع الحرص على أن يكون بجودة تفوق جودة العمل الماضي, فالعجلة بالنسبة لنا لا تتوقف عند ما سبق من نجاح معين لأعمالنا، فهي تسير نحو الأمام, ومن جهة أخرى تكمن خصوصية العمل في محتوى ما نقدم من جودة في الرقص على الصعيد الأكاديمي والتكنيك والدراما والإخراج، وكذلك في ما نقدمه من محتوى فكري على صعيد النص الذي ترتكز عليه أعمالنا ونشدد فيه على أن لا يكون بعيداً عن الواقع الآني المعاش, مع الإشارة إلى أن ترجمة ذلك لجمهور يريد أن يرى نفسه فيه اليوم ليست بهذه السهولة في ظل الظروف الحالية.

ما هو أكبر تحدّ واجهك في عروضك بشكل عام وفي “تداخل منفصل”بشكل خاص؟

هو التحدي الذي واجهنا جميعاً في سورية التي ما زالت تعاني الحرب والحصار, وكما كان الجميع يحاول الإنجاز في كافة الميادين في ظل هذه الصعوبات كنا نحاول أن نصنع فناً لا يسير مع القافلة وإنما يواكب التطور والحداثة في مجالات المسرح والرقص المعاصر،بالتزامن مع عدم قدرتنا على تبادل الخبرات مع صنّاع هذا الفن في العالم كما كان الحال قبل الحرب, لذلك كان لا بد من المجهود الشخصي الشاق في هذا الإطار, أما عن “تداخل منفصل” فما واجهناه من صعاب كان مضاعفاً, وخصوصاً مع ما يحيط بنا من صعوبات معيشية واقتصادية, إلى جانب الحرص على الخروج بنص قادر على تجسيد معاناة الناس على خشبة المسرح من خلال الخط الدرامي الذي تبنته الفرقة في أعمالها منذ سنوات لقناعتي أنه من غير المعقول تقديم نصوص تحتوي على معاني الحب والرومنسيات والمثاليات في هذه الأوقات التي يبحث فيها الناس عمّن يمثلهم على الخشبة ويعكس هواجسها بعيداً عن نصوص شكسبير وموليير وما يماثلها من كلاسيكيات الأعمال العالمية.

أنت كاتب ومصمم ومخرج في أعمال الفرقة وفي”تداخل منفصل” فماذا عن إيجابيات وسلبيات ذلك؟

لم أفكر يوماً بهذا الأمر لسبب بسيط هو أنه في الوقت الذي يُعتبر ذلك من قبل البعض أنانية في العمل سواء كان إعلامياً أو فنياً, وأفضّل دائماً تقديم نتاج من تصميمي وإخراجي وأفكاري وقلمي ورؤيتي مع إيماني الكامل هو أنني أنا من يتحمل مسؤولية النتائج السلبية قبل الإيجابية, وأعتقد أنذلك يزيد من خبرتي وقدرتي على تلافي الثغرات،مع الإشارة إلى أن آلية عملي هذه لا تعني عدم وجود تشاركية ومساحة لفريق العمل فيما أقدم، وإذا فكرت في هذه اللحظة وللمرة الأولى في سؤالك وبحثت في الجوانب الإيجابية أرى بأن الجانب الإيجابي الأهم هو أنني أستطيع تقديم نورس برّو بشخصيته الفنية والإعلامية كما هي للناس،أما السلبيات فلا أشعر بها لأنني في حالة ربط دائم بين كل المهمات وأحرص على الصعيد الفني على أن يكون كل ما أقوم به متجانساً.

ماذا عن نصوص هذا النوع من المسرح؟وهل هي متوفرة؟ وما أهم ما يجب أن يتوفر فيها؟

كنا في فرقة سورية للمسرح الراقص السبّاقين في تقديم هذا النوع من النصوص وربما نتفرد بها ليس على الصعيد المحلي فقط وإنما على الصعيد الإقليمي في مسارح الرقص المعاصر حولنا, فهذه النصوص تبنى تارة على تصميم الرقص وتارة أخرى يبنى التصميم عليها, فالحركة الراقصة مستمدة من الجملة المكتوبة في النص بشكل محسوس, ولا توجد هناك حركات مجانية في الجملة الراقصة لا تدل على معنى بل تعبّر في أصغر تفاصيلها عن الجملة الدرامية المكتوبة نصاً, وهذا يتطلب إحساساً عالياً وتنسيقاً فكرياً كبيراً للحالتين لينتج عنه شكل فني متجانس يخاطب الجمهور بشكل مباشر سواء كان بالكلمة أو بالتعبير الراقص، ونص هذا المسرح يجب أن يكون معداً لهذا النوع من الفن بالذات, أي أننا لا نستطيع إسقاط أي نص عن طريق الإعداد أو الدراماتورجيا على هذا النوع من الرقص في حال لا نريد أن تكون هناك حركات مجانية, وإنما يجب أن يكون النص معداً ومبنياً ومتجانساً مع البناء الدرامي والراقص على صعيد الكريوغراف بشكل متزامن, وهنا أقول بأن كاتب النص أو معدّه يجب أن يكون مطّلعاً على تكنيك الرقص المعاصر وما يريد إيصاله إلى الجمهور.

ما الذي تغير فيك كمخرج ومصمم بين العمل الأول “إنسان” عام 2013 وعملك” تداخل منفصل” عام 2023؟

كبرت المسؤولية في تقديم ما هو الأفضل،ونضجت التجربة بشكل أكبر من خلال ما يكتسبه الإنسان من معرفة وخبرات مع مرور الوقت,وبات التعلّق بتفاصيل المنتج أكبر والسعي لأن يكون مرآة لهموم الناس على الخشبة أكثر, وكانت تجربة إصابتي بالسرطان كافية لأقول في نفسي: اجتهد فيما تبقّى من عمر, فالبقاء أخيراً للكلمة.

أسست فرقة سورية للمسرح الراقص عام 2012 فما تقييمك لحصادها اليوم؟

أنا راض عما وصلت إليه الفرقة وما حققت من جوائز داخلية وخارجية ونجاحات وهي التي ولدت من رحم المعاناة في أجواء الحرب، وعلى الرغم من ذلك استطاعت أن تثبت نفسها من خلال جمهورها الوفي والعريض والمحب لأعمالها, لكن ما يجعلني أشعر بالرضا الكامل عما وصلت إليه نجاحها في تحقيق الهدف من تأسيسها وهو إبعاد المنضمين إليها عن أجواء الحرب وأصوات الرصاص ليكونوا في مكان يستطيعون فيه أن يمارسوا إنسانيتهم فيستمعوا إلى الموسيقى ويمارسوا الفنون التي يجيدونها على صعيد الرقص أو التمثيل أو الأداء.

هل تنحاز أكثر للكلمة التي تمارسها من خلال كتاباتك وعملك الإعلامي أم لما يقوله الجسد في المسرح الراقص؟

الجسد أصدق تعبيراً من الكلام, فهو يعبّر عما يشعر به بصدق، في حين أن الكلام يخضع للتنميق والتعبير والصياغة والاجتهاد, أما عن الأكثر تأثيراُ فهذا منوط بمزاج وتوجه الناس, فهناك من يؤمن بالكلمة وهناك من يؤمن بالتعبير, وقد حرصنا في فرقة سورية للمسرح الراقص ومنذ سنوات على أن نجمع بين الاثنين.

يُذكر أن “تداخل منفصل” من إنتاج وزارة الثقافة-مديرية المسارح والموسيقى وهو من بطولة يزن أسعد، ناي سلطان، فريدريك رومانوف، منال يونان، رنيم الحاجب، وتبدأ العروض مساء الخميس القادم على خشبة مسرح القباني الساعة السابعة وتستمر حتى يوم الأحد.

أمينة عباس