مجلة البعث الأسبوعية

التقارب الإيراني السعودي بداية لتحالفات شاملة في المنطقة

البعث الأسبوعية – بشار محي الدين المحمد   

تحرص إيران في الفترة الحالية على التقارب مع الدول العربية وخاصة في الجوار، وإعادة ترتيب العلاقة معها بما يتناسب مع نظرتها لاستقلالية المنطقة عن الدور الأميركي الذي أصاب كل الدول بالضجر والتململ وخاصة بعد التغيرات الجيوسياسية في ميزان القوى العالمي بعد إندلاع الحرب في أوكرانيا، وما تبعها من تفضيل دول الخليج لعب الدور الحيادي تجاه الخطوات الغربية لتطويق الحلف الروسي الصيني، بل بناء علاقات اقتصادية وسياسية معه.

إن مجمل التحولات أدت إلى تراجع خيار القطيعة بين السعودية وإيران، والبحث عن مخارج جدّية لبعض ملفات المنطقة، وخاصة الخلافات الحدودية. ولا يبدو أن إيران تتراجع عن تحالفاتها في فلسطين، بل على العكس، تشهد العلاقة تطوراً ملحوظاً على الصعيدين السياسي والعسكري، في ظل فشل المشاريع الأميركية في المنطقة، والتي زادت من حدة الصراع وفشل حل الدولتين.

الطرح الذي جاء به الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يرتكز على تحييد العقوبات ضمن خطة سياسية اقتصادية تقوم على التوجه شرقاً، والتركيز على العلاقة مع روسيا والصين، وأولوية الجوار، من أجل الوصول إلى مخارج اقتصادية وسياسية، ولا يمكن أن يتم ذلك وإيران على خلاف مع دولة كبيرة مثل السعودية. لذلك، تحتاج إيران هذه الحلحلة للتعامل مع العقوبات، أما السعودية فهي تريد التفرغ لمشاريعها الإنمائية المتمثلة بمشروع ولي العهد 2030.

في المقابل، بعد حملة إسرائيلية كبيرة تدّعي بتطبيع وشيك في العلاقات مع السعودية، وزيارات جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي إلى السعودية ثلاث مرات، فيما يبدو أنها محاولات يائسة لتحقيق التطبيع بالتزامن مع انخفاض حاد في شعبية الرئيس الأمريكي جو بايدن الباحث عن تحقيق انتصارات دونكي شوتية هنا أو هناك قبل بوئه بالفشل التام الساحق قريباً، نجد أن الأمور اتجهت بعد هدوء طويل من المملكة نحو مسار آخر يتمثل في إعادة الزخم إلى مسار التقارب مع إيران بعد عدة أشهر من الجمود، والذي ترتب عليه سكون في عدد من الملفات الأخرى في كامل المنطقة، وعلى رأسها الملف اليمني الذي حقق هدنة دون الوصول نحو السلام التام، ورأينا كيف تزامن زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان للقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع وصول وفد عماني إلى اليمن، إضافة لاجتماع بين رئيس الأركان العامة الإيراني ومعاون وزير الدفاع السعودي في معرض موسكو.

لا شك أن هذه الزيارة تمثل ما يشبه الردّ القوي على المساعي الإسرائيلية الأمريكية الإنتهازية بعد تعيين السعودية سفيراً لها لدى السلطة الفلسطينية، وضربة للرفض الصهيو أمريكي للشروط السعودية في الاعتراف بالقضية الفلسطينية وحل الدولتين وغيرها من الشروط العسكرية والتقنية الخاصة بها قبل الحديث عن أي عملية تطبيع أو مساع في المنطقة مع هذه القوى التي لا تعترف إلا بلغة الاستفادة والصراعات غير المحسومة لمجرّد تحقيق المكاسب ونهب الخيرات، حيث أصبح لدى السعودية البديل بعد أن أيقنت أن الدولار الأمريكي نحو مزيد من الإنهيار، وتخلت عن 40% من سندات الدين الأمريكي التي كانت قد اشترتها لتوثق خطاها مع تحالف “بريكس”، ولتودع في صندوق بنك التنمية التابع لـ”بريكس” 1,2 مليار دولار بدلاً من الإيداع في صندوق النقد الدولي التابع لهيمنة الغرب، كما زاد تقارب السعودية مع الحل الروسي الصيني الإيراني بشكل كبير ومتسارع عبر مظاهر متعددة أهمها التخلي عن الدولار في المبادلات التجارية.

إن المسار الجديد في التقارب السعودي الإيراني يقوم على التركيز على الحوار في المنطقة، وتنفيذ جميع الاتفاقيات والتفاهمات الثنائية السابقة، مع تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي والتشاور عبر وزارتي الخارجية في البلدين، والترتيب لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى المملكة في القريب العاجل لتكليل ما تم الاتفاق عليه من خطوات بمزيد من المتانة، إضافةً إلى التشديد على مد يد التعاون لكل دول الجوار وخاصة أن عملية التنمية في منطقة الخليج لا يمكن أن تحقق بشكل مجزأ  ولا بد أن تشمل جميع الدول، ونبذ “إسرائيل” من التدخل في هذه المنطقة بقوة في وقت تقوم بالإعداد مع الإدارة الأمريكية لما يسمى “صفقة القرن – 2″، وإيجاد طرق للالتفاف على العقوبات بغية تحقيق التبادل التجاري بين إيران ودول الخليج، والسعي نحو تجفيف المشكلات، وضبط السياسات الإعلامية الهادفة إلى إحلال القطيعة بين إيران والأطراف الخليجية أو العربية،

إن السعودية اختارت مقاومة النهج الأمريكي عبر هذا التقارب، وتحّمل تبعاته وتحديها رافضةً تقديم أي تنازلات بهدف البحث عن أفضل السبل لتحقيق الأمان في كامل منطقة الخليج العربي، حيث سيتتبع هذا التقارب مع إيران عدم الانخراط بأي أحلاف أو مناوات مضادة لها والنأي عنها لضمان أمن الملاحة في الخليج، وبناء الثقة بين جميع الأطراف، والحرص على إقامة مناورات وتدريبات بين إيران ودول الخليج، في وقت تعمد فيه الولايات المتحدة إلى مزيد من تحشيد جيوشها في المنطقة، ورفع كلف الشحن والضمان البحريين في الخليج بعد رفع التهديدات في المنطقة، بهدف الضغط على عدد من دول المنطقة وإيران وروسيا وحلفائهما واستفزازهم،

إن خطوات إعادة الثقة ستتضمن أيضاً استثمارات متبادلة بين إيران والسعودية، إضافة إلى التركيز على موضوع بناء الأمن الذاتي للخليج عبر تعاون إيران ودوله بدلاً من الاعتماد على أمريكا والغرب وأي قوى أجنبية لا يهمها سوى تحقيق مصالحها والسيطرة على أعالي البحار في العالم، بالتزامن مع إعداد واشنطن لمشروع قرار يتضمن نشر قوات البحرية الأمريكية على السفن التجارية في انتهاك صارخ لسياسة الدول،

استمرار المشكلات في منطقة الخليج لن يخدم سوى أمريكا ودول الغرب الجماعي، والحل هو إحلال التعاون الشامل بين إيران ودول المنطقة لحلحلة الخلافات فيما بينهم لتنعكس حتى على جميع الدول العربي، عبر تبريد أي ساحات مشتركة تشهد حالة من التوتر والخلافات، وتنويع العلاقات والتوجه شرقاً في ظل فقد الثقة بـ”مظلة الحماية الأمريكية” لدول الخليج، فالعنصر الأهم لتطبيع العلاقات السعودية الإيرانية هو تمتين العلاقات الإقتصادية، لأن وجود وتمتين الأخيرة سيحمي وجود الأولى مهما سادت الخلافات بينهما، وهذا ما يتم السعي إليه حالياً بين البلدين، عبر رفع مستوى التبادل واستخدام إيران كطريق عبور يربط الخليج بمناطق شرق آسيا وخاصة مع الصين عبر أنابيب النفط والغاز وغيرها من الطرق بدلاً من سلوك طرق بحرية تسيطر عليها أساطيل القرصنة الأمريكية المتناثرة،