وزير خارجية بريطانيا إلى الصين.. هل يكسر الجمود؟
عناية ناصر
من المقرر أن يزور وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي الصين نهاية الشهر الجاري، بهدف محاولة ” إعادة الاستقرار إلى العلاقة المضطربة التي تدهورت إلى أدنى مستوياتها منذ عقود”.
وفي حال تمت الزيارة، فسيكون كليفرلي هو أعلى مسؤول بريطاني يزور الصين منذ جائحة كوفيد-19. والأهم من ذلك، أن هذه الزيارة المخطط لها تحمل أهمية كبيرة لأنها يمكن أن تكون بمثابة بادرة إيجابية من قبل الحكومة البريطانية، وربما تكون بمثابة كسر الجمود في العلاقات بين الصين والمملكة المتحدة، حسبما يعتقد المحللون.
في الواقع، يكمن جوهر التوتر في العلاقة بين الصين والمملكة المتحدة في التحيز البريطاني الذي يقترب من عقلية الحرب الباردة أو التحيز الموجه نحو القيم تجاه الصين. بالنسبة لحكومة سوناك، من ناحية، فإنها تشعر أنه إذا لم يتم التعامل بشكل جيد في العلاقة السياسية مع الصين، فقد يتأثر اقتصاد المملكة المتحدة، وبالتالي يجب على المملكة المتحدة التعامل مع الصين على المستوى السياسي. من ناحية أخرى، وبالنظر إلى الانتخابات العامة المقبلة المقرر إجراؤها في موعد لا يتجاوز 24 كانون الثاني 2025، تحتاج حكومة سوناك إلى تعديل سياستها في الوقت المناسب لتظهر للجمهور البريطاني صورة حكومة عقلانية نسبياً.
و تعليقاً على الزيارة قال تيان ديوين، الباحث في معهد الدراسات الأوروبية التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إن زيارة كليفرلي قد تكون مرتبطة بزيارة بلينكن، وغيرها من الطلبات الأخيرة الأخرى من قبل الولايات المتحدة لزيارة الصين.
وفي سياق متصل، قال لي غوانجي، الباحث من جامعة شنغهاي للدراسات الدولية:”على الرغم من أن الحكومة البريطانية، بما في ذلك كليفرلي، غير واضحة بشأن النتائج المحتملة للتعامل مع الصين، إلا أن مثل هذه الزيارة هي الأساس لاستئناف العلاقات بين الصين والمملكة المتحدة. وبدون اتصالات، كيف يمكن أن تعود العلاقات الثنائية إلى طبيعتها؟”. وأضاف أن الزيارة قد تكون بداية إعادة بناء العلاقات، لكننا لم نشهد بعد أي إجراءات عملية لاحقة. في الوقت الحالي، لا تزال العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الصين والمملكة المتحدة في حالة جمود.
لقد تغير موقف المملكة المتحدة تجاه الصين بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وبالإضافة إلى تأثرها بموقف الولايات المتحدة، إلا أنه يرتبط أيضاً بالاضطرابات الداخلية في المملكة المتحدة، والتي شهدت تعاقب خمسة رؤساء وزراء على مدى السنوات السبع الماضية. وفي ظل المشاكل الداخلية طويلة الأمد التي لم يتم حلها، كان من الصعب على المملكة المتحدة صياغة إستراتيجية دبلوماسية مستقرة في التعامل مع الصين، بل والأكثر صعوبة تحقيق الاستقلال الاستراتيجي في ظل الولايات المتحدة.
ومن الملاحظ أيضاً أن اقتصاد المملكة المتحدة كان يعاني بعد البريكست، وقد تفاقمت هذه الحال بسبب الوباء، والصراع الروسي الأوكراني، والنكسات الاقتصادية العالمية. وقال لي إن بريطانيا كانت تأمل في البداية في الحصول على مساعدة الولايات المتحدة، لكن الولايات المتحدة لا تستطيع الاهتمام بنفسها في ظل الركود الداخلي، كما أن بريطانيا غير منسجمة مع الاتحاد الأوروبي، لذا يتعين عليها تغيير عقليتها. وبما أن الدولتين الأوروبيتين الرئيسيتين، فرنسا وألمانيا، تسعيان أيضاً إلى إجراء تغييرات، فإن المملكة المتحدة تريد أيضاً البحث عن فرص في هذه التغييرات، والتي تشمل موقفها من الصين.
وقال تيان إن التغيير في موقف بريطانيا تجاه الصين سيكون عملية تدريجية، وإن هذا التعديل الذي اقترحته وزارة الخارجية البريطانية له أهمية إيجابية، ولكن فيما يتعلق بما إذا كانت السياسة البريطانية بأكملها تجاه الصين سوف تتغير أم لا، القادم من الأيام سيجيب عن ذلك.
وكان سوناك قد أرسل مؤخراً دومينيك جونسون، وزير الدولة في وزارة الأعمال والتجارة في المملكة المتحدة، وكذلك وزير التجارة البريطاني السابق بيتر ماندلسون إلى الصين في أيار وحزيران على التوالي، وهذا يعكس موقف سوناك العملي نسبياً في معالجة العلاقات بين الصين والمملكة المتحدة. ومع ذلك، فإن مستقبل العلاقات بين الصين والمملكة المتحدة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعلاقات الصينية الأمريكية، بسبب العلاقة الخاصة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة. وانطلاقاً من الرأي العام والبيئة السياسية داخل المملكة المتحدة، فإن الصعوبات والتحديات التي قد تواجهها العلاقات بين الصين والمملكة المتحدة في المستقبل القريب لن تتضاءل.