وسائل التواصل الاجتماعي.. إستراتيجية خبيثة لجأ إليها قادة الكيان
د.معن منيف سليمان
أدركت “إسرائيل” مبكراً أهمية وقيمة مواقع التواصل الاجتماعي ووظفتها في صراعها طويل الأمد مع محيطها العربي، كوسيلة سهلة وفاعلة لغزو العقول العربية خاصة الشباب منهم، وفي محاولة منها لاستقطابهم بل وتجنيدهم إذا لزم الأمر، بجانب إبعاد أجيال عربية كاملة عن جوهر الصراع، وتحييدهم على أقل تقدير.
إستراتيجية حديثة لجأ إليها قادة الكيان بعد إخفاقهم طوال السنين التالية لقيام هذا الكيان في إلغاء الذاكرة الشعبية تجاه القضية الفلسطينية، وتدمير تراثنا وتاريخنا وخلق تفاعل أدبي وفكري مع “إسرائيل” بغية الوصول إلى توقيع اتفاقيات وخلق تعايش بين الإسرائيلي والعربي.
تعمد الدعاية الإسرائيليّة إلى زرع بذور الشك في قناعات سائدة عبر الوطن العربيّ، من خلال تضمين عناصر وإشارات قد لا تكون ملحوظة تستهدف تقويض تصوّرات مستقرَّة في الوعي الجمعيّ العربيّ.
وعلى الرغم من وحشية جيش الاحتلال وأعماله الإجرامية ومذابحه الدموية المتكرّرة في حق الشعب الفلسطيني الأعزل، تعمل كتائب الحرب الإلكترونية بالاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، على تضليل الرأي العام العربي ومتابعيه على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. ويستخدم جهاز المخابرات الإسرائيلي بعض الصفحات كوسيلة تجنيد لمتعاونين، من خلال التوجه المباشر للحصول على معلومات، وعرض مغريات مادية للمتعاونين.
وأنشأ جهاز “الشاباك” صفحة فيسبوك باللغة العربية بعنوان “بدنا نعيش”، في صيف العام 2016، بهدف استغلال حاجات الفلسطينيين لتحقيق أهدافه الاستخبارية واختراق المجتمع الفلسطيني.
وفي سياق دعم أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بكوادر قادرين على التغلغل داخل المجتمعات العربية، كشفت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، في تقرير سابق لها، عن وحدة سرية لجهاز “الأمان” الإسرائيلي – المخابرات العسكرية الإسرائيلية- تعمل منذ سنوات، ولكنها أحيطت بسرية تامّة، يتقن عملاؤها اللغة العربية ولهجاتها المختلفة بما فيها اللهجة العامية المصرية والشامية وغيرها من اللهجات. وتعدّ الوحدة 8200، والوحدة 504 أشهر وحدات التجسس الإسرائيلية على مواقع التواصل الاجتماعي.
ولعل “أفيخاي أدرعي” من بين أكثر الإسرائيليين شهرة على منصات التواصل الاجتماعي، لمحاولاته الدائمة التفاعل مع ناشطين عرب ومشاهير يتمتّعون بقدرة التأثير على جمهورهم. ففي كل مناسبة، لا يضيّع فرصة كمحاولة لخلق حوار أو تفاعل معيّن، كمعايدة بعض الفنانين في عيد ميلادهم.
كما أنه يستغل كلّ مناسبة دينية، كشهر رمضان متوجهاً إلى المسلمين تحديداً للحديث عن العادات في هذا الشهر، محاولاً خلق حديث مشترك وعادات متشابهة بين الإسرائيليين والعرب.
مثال آخر، ما نشرته صفحة “إسرائيل تتكلم بالعربية” في وقت سابق: “بالفيديو.. المشترك بين اليهودية والإسلام من سلالة إبراهيم”. أو حتى الترويج لمطبعين عرب ولأفكارهم، وهذا مثال على ذلك: “شعار (الموت لإسرائيل) بات عبثياً. هكذا وصف أحد الكتّاب المطبّعين هذا الشعار الذي كانت تردّده الشعوب العربية”.
يتابع تلك الصفحات قرابة أربعة ملايين عربيّ، وتتميَّز بتفاعلٍ كبير بخاصَّة صفحة المتحدِّث باسم جيش الاحتلال الإسرائيليّ “أفيخاي أدرعي” التي يتابعها وحدها أكثر من مليون ونصف شخص. وإن كانت التعليقات يغلب عليها توجيه السباب للقوَّات العسكريَّة الإسرائيليّة ودعم ومناصرة القضيَّة الفلسطينيّة، لكن المشاركة بأشكالها كافَّة تُعطى انتشاراً أوسعاً وثقة لمنابر الكيان الصهيونيّ حسب سياسة الفيسبوك، وهو في حدِّ ذاته من أهداف إنشاء تلك الصفحات، ما يسمح من وقتٍ لآخر بظهور تعليقات مثل “عاشت إسرائيل”، و”باسم أهالي بغداد نعتذر نيابةً عن العرب عمَّا يقوم به الأشرار” وغيرها.
وفي إحدى مباني أروقة وزارة الخارجية الإسرائيلية يقبع موظفون في لجان إلكترونية للتواصل مع شباب من الوطن العربي وجميع أنحاء العالم، ويعمل نحو 10 مسؤولين بالخارجية على كتابة المنشورات ونشر الصور، وترجمة المواد مما يسمّى “العبرية” إلى العربية، وكتابة تعليقات للمتصفحين، للتواصل بين “إسرائيل والشباب في الوطن العربي، بقسم “الدبلوماسية الرقمية” العربية في الوزارة.
وبحسب الإحصائيات التي تمتلكها الخارجية الإسرائيلية، يعيش في الشرق الأوسط نحو 250 مليون مواطن عربي، بينهم 145 مليون يستخدمون الإنترنت، منهم 80 مليون يستخدمون فيسبوك، وبالتالي وجدت أن أسهل طريقة للوصول لهذا الرقم الضخم من الشباب هو التواصل معهم عبر الإنترنت وشبكات التواصل بصفة عامة.
وفى تصريح سابق “ليوناتان جونين”، رئيس قسم “الدبلوماسية الرقمية” باللغة العربية في وزارة الخارجية الإسرائيلية كشف فيه خطة بلاده للسيطرة على عقول الشباب العربي قائلاً: “منذ عام 2011، أدركنا أن الطريقة الأفضل للتوجه إلى الشباب العربي هي فيسبوك.. أصبحت هذه الطريقة الآن الأقوى والأكثر تأثيراً”.
ووفق موقع الخارجية الإسرائيلية فإن صفحات “إسرائيل تتكلم بالعربية” على موقع “فيسبوك” تسمح لممثلي الخارجية بالتوجه مباشرة إلى القراء العرب، ويحاولون عبرها تحسين صورة “إسرائيل”، حيث تقول: “نحن نتجاوز الحكومات والإعلام ونصل مباشرة إلى المواطن العربي، فقبل 10 سنوات لم تربطنا أية علاقة بمن في المنطقة، ولم نكن نعلم حتى ماذا يكتب في صحفهم، ومن المثير للدهشة أننا أصبح يربطنا علاقة مباشرة مع الناس في كل دولة عربية”.
إنّ طبيعة مواقع التواصل الاجتماعيّ المنفلِّتة من التزامات وسائل الإعلام التقليديَّة، جعلتها منصّة ملائمة لمضامين متعدِّدة، من بينها مضامين تطبيعيَّة صادمة هي غالباً نتاج حسابات موجَّهة ومزيّفة وجيوش إلكترونيَّة. ويزيد جاذبيَّة ترويج هذه المضامين ما تُحرزه من اهتمامٍ واسعٍ وتداولٍ عريض يغريان بالإقدام على رؤيتها.
إن أخطر هدف يمكن أن يحققه القادة الصهاينة هو إزالة الحاجز النفسي مع محاوريهم، عوضاً عن أنه يحقق مفهوم التعايش الذي ركّز عليه العدو في كل مشروعه للتطبيع مع العرب، وهو ما يحققه له مئات الآلاف من الشباب العربي من خلال حجج واهية منها مقاومة روايته. وإن التسويغ بحسن نية الاشتراك بهذه الصفحات يعدّ واهياً وضعيفاً، لأن هذه الصفحات موجّهة أصلاً للجمهور العربي، وليست موجهة للغرب أو الجمهور الصهيوني، أي أننا نحن الطرف المستهدف فقط.