رأيصحيفة البعث

إنها “داعش” الصفراء

علي اليوسف

لا تعتقد ميليشيا “قسد” أن الارتهان للولايات المتحدة سيدوم إلى الأبد، لأن منطق التاريخ لا يفرض احتلالاً إلى ما لا نهاية، حتى إن طالت مدته، فهو – أي الاحتلال – معرّض لارتكاسات وجودية تفرضها حركات المقاومة الشعبية، وفي غالب الأحيان تفرضها ارتدادات الدولة المحتلة بحكم التطورات السياسية، والجيوسياسية على مستوى الإقليم.

منذ إشهار “قسد” كعلامة تجارية أمريكية، حذّرت الدولة السورية من أن هذه العلامة غير صالحة للاستخدام في هذه المنطقة التي تعيش على تنوع سكاني لا يمكن لأحد أن يكون له سلطة على الآخر، باستثناء سلطة الدولة. ورغم ذلك فتحت الدولة السورية أبوابها أمام الحوار أكثر من مرة للوصول إلى نتائج ليس أقلها وحدة الأراضي السورية وسلامتها، والحفاظ على مكوّنات الشعب السوري التي تقطن في الجزيرة السورية، لكن على ما يبدو أن الطروحات الوطنية لا تتناسب و”الطموحات” الانفصالية التي تسيطر على هواجس “قسد”.

ومن هذا المنطق، من الطبيعي جداً ألا يكون هناك مكان لهذه الميليشيا على طاولة الحلّ، ولا تخوّلها خيانتها أن تكون شريكاً، لذلك لا تتوهم “قسد” أن تكون بورصة التنازلات مفتوحة، ولا تسترسل في رؤيتها، لأن كلّ الرؤى مرفوضة إلا بعودة الأراضي التي تسيطر عليها تلك الميليشيا إلى الدولة السورية بثرواتها، فالساحة ليست خالية لأمريكا وأتباعها في المنطقة، وأن لدى كلّ من الحكومة السورية وحلفائها أوراقاً لوأد المشروع الأمريكي وإجهاضه في مهده كما جرى في كل المنازلات السابقة.

وكي لا ننسى، مع الزخم الإعلامي وغيره الكثير من البروباغندا التي تعمّدت “قسد” إظهارها، عملت هذه الأخيرة على إظهار مشروعها الانفصالي بمظهر المشروع الوطني، وتمّ دعم هذا المشروع بشكل واسع في الأوساط الغربية والأمريكية، حتى برزت كأداة قويّة في المشاريع الانفصالية بعد التمدّد شرقي الفرات، والسيطرة على مناطق شاسعة، فضلاً عن احتلالها لعدد من القرى العربية التي لم تشهد من قبل أي وجود كردي لتنفيذ أجندتها الانفصالية عن سورية.

لكن لم تدرك هذه الميليشيا أن النزعة الانفصالية، وخوض اللعبة إلى الحدود القصوى لن تؤدي إلا إلى ما لقيه الأفغان الذين تعلّقوا بالطائرات الأمريكية، فالدولة السورية تعلم علم اليقين أن الخطاب المرتفع السقف لا يعكس كثيراً وزن “قسد” الحقيقي على الأرض، وذلك لجملة من المعطيات أهمها أن جغرافية المنطقة محاصرة من قبل العشائر العربية الوطنية، وقوى رافضة للمشاريع الانفصالية، ورافضة للاحتلال الأمريكي وأدواته.

وحتى التهويل الأمريكي الحاصل على الحدود السورية العراقية، ليس إلا النزع الأخير قبيل الانسحاب من سورية لأسباب أمريكية كثيرة، منها اقتراب موسم الانتخابات الرئاسية والتي سيكون أحد برامجها وجود القوات الأمريكية في سورية، وخاصةً مع تنامي تيار أمريكي يدعو إلى الانسحاب انطلاقاً من أنها لا تُضيف أي وزن للقوة الأمريكية في الشرق الأوسط بالنظر إلى هامشيتها، وكذلك لانطوائها على مخاطر مستقبلية عديدة بعد أن سقط الرهان، وفشل الحرب الأمريكية على سورية في تحقيق أهدافها، وإن كلّ ما حققته أمريكا هو ذلك الانتصار المتعلق بمساحة الجريمة التي اقترفتها ضد المدنيين والبنية التحتية وسرقة النفط والقمح السوري بالتعاون مع أداتها “داعش الصفراء”.