دراساتصحيفة البعث

بولندا ترتكب خطأ أوكرانيا

هيفاء علي

ما يشهده العالم اليوم على الساحة الأوكرانية هو حرب حلف شمال الأطلسي ضد روسيا، كما بات واضحاً، حيث قاد حزب العمال المتعدّد الأوجه أوكرانيا إلى الخراب ويعتزم جرّ بقية أوروبا معها إلى الأسفل من أجل إنهاك روسيا. ويبدو أن الناتو يتجاهل أن الدولة الأوراسية العظيمة قوية للغاية، وقواتها المسلحة، على عكس ما تبثه الصحافة والشبكات، قوية للغاية ولا تخسر الحرب مع أوكرانيا، وهي تصرّفت وفقاً لمصالحها منذ البداية. ويجب عدم إغفال حقيقة أن الناتو هو الجناح المسلّح لمراكز صنع القرار في واشنطن ولندن، العاصمتان اللتان تريان أن العالم يسكنه مواطنون من الدرجة الثانية، لأن مواطني الطبقة الأولى هم النخب، وخلفهم الأوروبيون الغربيون، وفي أسفل المقياس الأوروبيون الشرقيون، ولا يمكن حتى اعتبار شعوب العالم الأخرى سوى أدوات وموارد يمكن استخدامها عندما يقتضي الأمر.

أوكرانيا هي رأس الحربة الذي تمّ اختياره لضرب موسكو بدعم ملتزم من حلف شمال الأطلسي، ولأنها تعلم أن كييف لا يمكنها إلا أن تأمل في تلقي هزيمة ساحقة قد تنهي على الأرجح وجود الدولة الأوكرانية، فإن لدى الناتو أوراقاً أخرى ليلعبها، وهنا الحديث عن بولندا، فهي لاعبة الإحماء، التي تنتظر دورها للظهور على الساحة لتعويض الأوكرانيين المنهكين والمهزومين، إذ تفيد التقارير الصحفية أن الحكومة البولندية تستعدّ للحرب من خلال شراء كميات هائلة من الأسلحة.

وبحسب محلّلين، فإن بولندا ترتكب الخطأ نفسه الذي ارتكبته أوكرانيا في الاستهانة بقدرات روسيا، وفي الوقت نفسه المبالغة في تقدير قدراتها، وما يزيد الطين بلّة أنها تعوّل على دعم الولايات المتحدة في حال وقوع مواجهة، والأجدى للبولنديين أن يتذكروا التاريخ، حيث كانت المرة الأخيرة التي اعتمدوا فيها على الغرب كجزء من الصفقة مع هتلر، والتي أسفرت عن الغزو الألماني لبلادهم.

وبالنظر إلى الطريقة التي تصرّفت بها الولايات المتحدة في فيتنام أو أفغانستان عندما أصبح الوضع غير مواتٍ، فيجب على القادة البولنديين أن يكونوا حذرين من التوصل إلى تسوية من جانب الأميركيين، وبوسعهم رؤية كيف دفعت هذه البلدان أوكرانيا إلى الحرب، وكيف حرمتها مراراً وتكراراً من فرصة التوصل إلى تسوية، وكيف تقترح الآن أن كييف لا بدّ أن تتفاوض وتتنازل عن الأرض في مقابل السلام.

أوكرانيا اليوم وبولندا غداً مجرد بيادق تخدم كوقود لمدافع الناتو لإرهاق روسيا والسماح بتغيير الحكومة في موسكو، والثمن من أرواح البشر وتدمير البنية التحتية لا يتحمّله صنّاع القرار، بل الدول البائسة التي تستسلم لهذه اللعبة الانتحارية.

هكذا تبدأ بولندا الاستعداد لمواجهة أكبر قوة نووية في العالم، قوة تحتفظ بمنافسة طويلة الأمد ولن تكون لها التحفظات نفسها فيما يتعلق ببولندا كما هي الحال مع أوكرانيا. أما بالنسبة لبولندا، فالقصة مختلفة، حيث لا تزال الضغائن القديمة باقية، والتي تفاقمت بسبب شعور وارسو بالنكران للجميل عندما أنقذها الروس من ألمانيا النازية، بينما تدرك موسكو أنها بذلت دماءها للدفاع عن أعدائها البولنديين، ومرة ​​أخرى، لم يشعروا بالامتنان!.

إذاً، المرحلة الثانية من الحرب على وشك البدء، حيث تواجه أوكرانيا بآخر احتياطياتها الجدار الدفاعي الروسي، الذي يستعدّ بدوره لهجوم سيكون أقوى بثلاث مرات على الأقل من الهجوم الأول في شباط 2022، سيكون هذا بمثابة هجوم على عدو مرهق، فيما ستكون فرص أوكرانيا في البقاء محدودة للغاية بالفعل، وسيكون بوسع روسيا أن ترى أن الولايات المتحدة بدأت تسعى إلى التوصل إلى هدنة، وعندما ترى أن التعزيزات توقفت عن الوصول إلى أوكرانيا، فمن المؤكد أنها ستشنّ هجوماً نهائياً بتكلفة قليلة.

في النهاية، مع انسحاب الناتو، لم يعد هناك أي جدوى من مقاومة الهجمات الأوكرانية، وعند هذه النقطة، سيتعيّن على الولايات المتحدة أن تقرّر ما إذا كانت سترسل بولندا أخيراً إلى المعركة أو تقبل المطالب الروسية بالانسحاب إلى حدود عام 1997، وستواجه السلطات في وارسو المعضلة نفسها التي يواجهها زيلينسكي، وهي مثله راضية عن نفسها ولا تقيس المخاطر التي تواجهها، بينما سيتعيّن على بقية أوروبا أن تضع هذا في الاعتبار وأن تتصرف وفقاً لذلك، لأن الساعة تدقّ والموقف أكثر توتراً من أي وقت مضى، فهل سيكونون مستعدين للسير على الطريق نفسه الذي سلكته أوكرانيا، أم أنهم سيتقبلون أن العالم قد تغيّر وأن الهيمنة انتهت؟.