حنفية السبيل نشيد العليل
غالية خوجة
لم تغب عن الذاكرة المجتمعية أصوات الماء وهي تسيل من الحنفية العامة بعدما نرفع ذراعها الحديدية إلى الأعلى ثم ننزل بها إلى الأسفل ليستمر الماء بالخروج من الصنبور وكأنه يعزف لحناً قادماً من الينابيع العذبة، لنشرب أو نملأ الأواني ونحملها إلى البيت.
هذه الحنفية كانت مثل سبيل الماء توضع بين الأزقة ومنها “الحميدية” و”قسطل الحرامي”، وما تزال حاضرة بهيئتها الحجرية في الحدائق العامة لتروي الظمأ لكن بصنبور حديث لا يشبه تلك الذراع ومضختها، ولكن قد تجد بعض الصنابير عاطلة والماء يترسب، أو قد تجد بعض الأحواض الحجرية المحيطة بهذه الحنفية مملوءاً ماء استنقع، لكن الحنفية العامة لا تتخلى عن إرواء الناس وهم يقصدونها مثلما تفعل الكائنات الأخرى لا سيما الطيور والقطط.
الماء الشفاف ينساب برشاقته مع ضوء الشمس الحارة، ويدعو العابرين لتذوقه، وتبريد أيديهم ورؤوسهم في هذا الصيف الحار، ليكملوا مسيرهم إلى شؤونهم الحياتية، مستذكرين ما مضى من أيام، وكيف كانوا يجتمعون مع الجيران والعابرين قريباً من حنفية الماء، يحكون همومهم فيتواسون معاً، أو يحكون أفراحهم فيضحكون معاً، وكذا يفعل الماء وهو يسيل، فلا ينسى الحكايات التي سمعها من الناس، ويظل يسقي ذكرياتهم وهي تصير أعشاباً وأشجاراً، ويسقي أحلامهم وهي تصير غيوماً وأمطاراً، ويظل عازفاً نشيده الجميل مع الزقزقة والتفاتات النسيم العليل.