القمر حكواتي درب حلب
غالية خوجة
تتشعب اللحظة دروباً من ماضٍ وحاضر ومستقبل، وتزهر مع الوعي والإرادة لتكون مشعة بالاستدامة، تاركة بصمتها أبواباً لمدن تصمد أمام الأزمنة، فتغنّيها الأمكنة، وتعبر بحكاياتها بين الأزقة والمعالم والموسيقا والساحات، ومنها ساحة باب الفرج بحلب التي تعتبر ساحة للحياة التأريخية والأثرية واليومية التي عبرت منها وإليها قوافل العالم ذهاباً وإياباً كونها نقطة إستراتيجية على طريق الحرير القديم.
وإضافة لتفرع الوقت في الحياة، تتفرع عن الساحة شوارع وأزقة قديمة توصل إلى السبع بحرات والمسجد الأموي الكبير وخان الوزير وأسواق المدينة ومحيط قلعة حلب.
والعابر من هذه الساحة لا بد وأن يحدق إلى ساعتها بتوقيتها المحلي والعالمي وهو عارف بأنها توءم ساعة “بيغ بن” اللندنية، والعقارب اللاسعة للوقت تجعل الجريان الزماني هاماً في قلوب الناس وساعاتهم البيولوجية.
العابر للساحة يصادف الناس بملامحهم المطحونة حالياً، المتفائلة أحياناً، فيرى منهم من يسرع لعمله، ومن يسرع لبيته، ومن يجلس حوالي الساحة والساعة متأملاً، شارداً، يشرب أو يأكل، بينما الأولاد والأطفال فيلعبون أو يعملون، إلاّ أن الكثيرين لم ينتبهوا إلى القمر وهو يصير حكواتياً سواء كان هلالاً أو بدراً، ويشعّ أكثر وهو ينتقل من حكاية إلى حكاية سارداً تأريخ الحقب والعصور معرّجاً إلى حياة أجدادنا الذين مضوا وكانوا يستقلون من وسائل النقل “الأحصنة”، و”الحنتور” و”الترام”، ناشراً أشعة الأمل رغم الضيق، مصافحاً مياه النوافير وظلالها، مصغياً مثلنا لحوارها المائي مع الأشعة الفضية، وحين يودّ الاستراحة يغني مع ذكرياتنا العابرة من قدودنا وموشحاتنا: “درب حلب ومشيتو، كلو سجر زيتوني”.
ترى، لأي درب من الذكريات يأخذك القمر عزيزنا القارئ؟