ناس ومطارح
البعث الأسبوعية- تمّام بركات
ميسون عمران: الحياة كام وكمخرجة، تتبادلان الأدوار والقداسة في انسجام وتكامل بين الهدف والمسعى إليه والسعي في ركابه، قاربت السيدة ميسون عمران، بمنطق الإنجاز، في منجزها الحياتي -الشخصي والاجتماعي-حتى الآن، ما تعتبره عظيماً في حياتها، وبمنطق الرضا، ما يشعرها بالسلام الداخلي الحقيقي، فعلى المستوى الاجتماعي، هي مخرجة وكاتبة مسرحية، في مسرح الأطفال، المسرح المدرسي، وعلى المستوى الشخصي، هي أم لثلاثة أبناء، صاروا محور حكاياتها اليومية، بعد أن سكبوا في كأس روحها ضحكاتهم، فعرفت دفعة واحدة، الوجه الأنصع للحب، وقررت منحه ولكن مع لمسة مسرحية خاصة.
مطلع الألفية الثانية، دخلت ميسون عامها الثالث في دراستها للفنون المسرحية، قسم النقد المسرحي، وهي خريجة هذه الأكاديمية العريقة، وما كان في الأمس لعباً غير واع، يحمل في شكله ومضمونه أحد أشكال المسرحة الأولى، صار بمرور الوقت حلماً، ثم هدفاً، ووسيلة، فبعد عدة سنوات، على لعبة ارتجلتها وأصدقاء الطفولة، وهم يلعبون في الحارة، عندما قاموا بتأدية شخصيات واحدة من القصص، ستثير المتقدمة لفحص القبول في المعهد العالي للفنون المسرحية، انتباه لجنة الحكم الصعبة المراس، بحديثها عن الطريقة البدائية “اللعبية” في المسرح في الهواء الطلق بين أشجار الحارة، وبجمهور مكون من الأطفال والأهالي.
وضعت ميسون العمل في مسرح الطفل، هدفاً ووسيلة في آن، هدفا لدراستها الأكاديمية، ووسيلة للعمل على توسيع وتطوير العمل المسرحي، في المحافظات الأخرى، وذلك بالعمل مع القاعدة، مسرح الطفل، ومن عملها كمشرفة مسرحية، في وزارة التربية، انتقلت إلى العمل الميداني كـ “منشطة مسرح” في حمص لثلاثة أعوام و منها إلى مصياف، حيث تعمل اليوم ومنذ أكثر من 11 عاماً، حققت خلالها مع طلابها من طلاب المدارس، 11 عرضاً مسرحياً، رغم الظروف الصعبة التي يمر بها المسرح السوري ككل، ومسرح الأطفال بشكل خاص، مقدمة ما يعرف بالمسرح التفاعلي، الذي يورط الجميع في هذا الطقس، مع العمل على استمرارية العمل المسرحي مع طلاب المدارس، ومع زملائها من المعهد المسرحي، لا سيما أن نشاط الشبيبة الذي كان يقدم عروضاً مسرحية ويساهم في الحياة الفنية، تراجع لأسباب تجهلها، وعمل منظمة الطلائع بقي “خجولا” كما تصفه.
يفكر عموم المشتغلين في الفنون عموماً، الانتقال إلى العاصمة في حال لم يكونوا فيها، ففيها فرص العمل أكبر وأسهل، لكن خيار “أم حسين” كان الانتقال من العاصمة، إلى ريف مدينة مصياف، الذي لم يحظ باهتمام مسرحي أو حتى نشاط، مثله مثل بقية الريف السوري، وهناك قررت أن تتحمل من موقعها الأكاديمي والإنساني المسؤولية، والعمل ما أمكن على تغيير هذا الحال.
الضحك اليوم وفي ظروف صعبة تمر بها البلاد، ليس سهلاً، خصوصاً على ربة الأسرة العاملة، لكن الصور التي تظهر فيها ميسون ضاحكة بلا أي تفكير، ملتقطة من أحد طلابها وهي تعمل وتلعب معهم تجهيزاً لعرض مسرحي، فهذا العالم الذي تشعر فيه بألفة وطمأنينة، ما يجعلها تفكر كيف يمكن أن تنقله للجميع؟ هذا مثلاً ما كانت تفكر فيه، وهي واقفة تنتظر دورها في أحد الدوائر الرسمية، بخصوص طلب تقدمت به، لمجموعة من الضروريات الخاص بالمسرح، وحولها وأمامها وخلفها، وقفت جموع من السوريين، المتضررين من كارثة الزلزال، تنتظر أيضاً دورها، حينها تأكدت ميسون، أن خيارها وفعلها هو فعل حياة أولاً، فتراجع الخجل الذي شعرت به بداية، من طلباتها المسرحية غير الضرورية، مقارنة بمطالب بالآخرين، وراحت تفكر في العرض الجديد، في انتظار وصول الدور إليها.
عندما قررت ميسون التوجه نحو المسرح، كانت كاتبة، لم تتخيل أن تصبح يوماً مخرجة مسرحية، لكن العمل في المسرح المدرسي يجعل من المنشط منتجاً ومؤلفاً وسينوغراف ومصمم أزياء، ومعداً وموسيقياً لا مخرجاً وحسب، وبذات الوقت هو معلم، لكنه أقرب من معلم الصف إلى الطلاب، معلم يتلمس حياتهم الخاصة ويتقرب من مشاعرهم، معلم يعطي المعلومة لكنه ليس منتجها.
“الرضا” هو ما تشعر به أم حسين بعد أكثر من 21 عاماً من العمل في المسرح المدرسي، عنها تقول: “العمل في المسرح المدرسي له بهجة مختلفة عن أي عمل آخر، لقد قضينا زمناً طويلاً بالنظر إلى العمل مع الأطفال، وإلى أدائهم، وأعمالهم والنصوص التي تكتب لأجلهم، خاصة فيما يتعلق بالجانب التعليمي من تلك النصوص، بتعال أكاديمي، دون فهم لطبيعة العروض و بيئتها الفقيرة بالإمكانات، وأن مجرد العمل هو إنجاز، و مجرد ظهور الأطفال على خشبة المسرح إنجاز، ومجرد جلب جمهور لا يحضر المسرح عادة ( من الأهالي، و أصدقاء الطلاب ) إنجاز”